Tuesday, 27 December 2011

صفة الضحك لله سبحانه وتعالى في ضوء الكتاب والسنة النبوية

صفة الضحك لله سبحانه وتعالى
 في ضوء الكتاب والسنة النبوية

إعداد الطالب
 حسام الدين جمال الدين


بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة
        إن الحمد لله نحمده, ونستعينه, ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له , ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله , صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد :
كثير منا يسمع عن تصنيفات للمسلمين، تجعلهم يبدون بصورة طائفة غريبة أو فرقة منحرفة، خاصة عندما يبدأ الكلام عنهم بالحديث المشهور "تفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة" فترى تلقائيا صورة تلك الطائفة، إذ تبدو كأنها من هذه الفرق التي في النار، ويحكم عليها بأنها خارجة عن أهل السنة والجماعة...
ويندفع العوام ليقولوا: ماذا نريد بهذه الألقاب والمسميات، كلنا مسلمون وانتهينا...
فكأن كل من يحمل لقب الانتماء لمذهب أو جماعة قد خرج بذلك عن مسمى المسلمين، لأنه حمل اسما إضافيا...
وعلينا أن ندرك تماما أن الاسم أو النسبة لجماعة معينة ليست هي التي تحكم على المرء هل هو من أهل السنة والجماعة أم لا، بل المعتقدات التي يعتقدها، والمرجعية التي يرجع إليها، ومدى تطبيقه لتعاليم الدين...
وسأحاول في هذا البحث ألمس صفة الضحك لله تعالى والرد على الفرق الضالة، ثم أبرز منهج علماء السلف في الاستدلال عليها بشيء من الاختصار.
هدف البحث :
     يهدف البحث التعرف إلى صفة الله تعالى (ليس كمثله شيء) .
الصعوبات :
        واجهت صعوبات عدة أهمها قلة المراجع التي تناولت هذا الموضوع .
مكونات البحث:
ويتكون البحث من فصلين هما:       
ففي الفصل الأول يشمل معنى الضحك لغة وشرعاً، ومذهب أهل السنة والجماعة والرد على الفرق الضالة  وأما الفصل الثاني يشمل إثبات صفة الضحك لله تعالى وفهم السلف الصالح لنصوص الصفات، وأخيراً المراجع.
الفصل الأول

{ الـضـحـك }
     الحمد لله أرسل رسوله بالهدى ودين الحقِّ ليظهرَه على الدِّين كُلِّه ولو كره المشركون ، وصلى الله على نبينا محمد وآله ، وسلم تسليما كثيرا    أما بعد :
المعنى في اللغة :
        الضحك هو: ظهور الثنايا من الفرح. ض ح ك: ضَحِكَ بالكسر ضِحْكِاً بوزن علم وفهِم ولعِب و ضِحِكاً أيضا بكسرتين و الضَّحْكةُ المرة الواحدة و ضَحِكَ به ومنه بمعنى و تضَاحَك الرجل و اسْتَضْحَك بمعنى و أضْحَكَهُ الله ورجل ضُحَكَةٌ بفتح الحاء كثير الضحك و ضُحْكَةٌ بسكونها يُضحك منه و الأُضْحُوكةُ ما يُضحك منه.
        والضحك: العجب وبه فسر ابن عباس رضي الله عنهما قوله تعالى في امرأة إبراهيم عليه السلام: ﴿وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ [سوره هود:71][1].
المعنى في الشرع :
        الضحك ثابت لله عزوجل، وهو ضحك حقيقي لكنه لايماثل ضحك المخلوقين فنؤمن أن الله يضحك، ونسكت عن صفة ضحكه جل وعلا؛ لأنه سبحانه استأثر بصفة ضحكه لم يطلعنا على ذلك، فهو ضحك يليق بجلاله وعظمته([2])، وهو سبحانه يضحك كما يشاء، ويقصد بضحكه أولياءه عندما يعجبه أفعالهم، ويصرفه عن أعدائه فيما يسخطه من أفعالهم فهو يضحك إلى قوم، ويصرفه عن قوم، ولايضحك إلا عن رضاً وليس لنا أن نتوهم كيفيته، أو نسأل عنها والضحك في موضعه المناسب له صفة مدح وكمال، وإذا قُدرِّ حيان أحدهما يضحك مما يُضحك منه والآخر لايضحك قط كان الأول أكمل من الثاني، والضحك مقرون بالإحسان المحمود، فإن الشخص العبوس الذي لايضحك قط مذموم بذلك، وإذا كان الضحك في البشر مستلزماً لشيء من النقص فالله منزه عن ذلك، وحقيقة الضحك مطلقاً ليست مقرونة بالنقص([3]).
        وقد قال الإمام أحمد: يضحك الله ولا نعلم كيف ذلك إلا بتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم، فأثبت هذه الصفة، وأنكر على من أوَّلها، وهي صفة لله لا يجوز أن نستوحش من إطلاقها؛ لورود السمع بذلك، كما لا يستوحش من إطلاق ذلك في غيرها من الصفات، والضحك يدل على الرضا، والرضا يدل على العفو والمغفرة([4]).
        وضحك الله سبحانه هو معنى يحدث في ذاته عند وجود مقتضيه،  وإنما يحدث بمشيئته وحكمته([5])، وليس في إثباته محذور ألبتة فإنه ضحك ليس كمثله شيء وحكمه حكم رضاه
سبحانه ومحبته وإرادته وسائر صفاته([6]).
وروده في القرآن والحديث :
        لم يرد الضحك في القرآن وصفاً لله تعالى، وهو ثابت في السنة فقد تقدمت هذه الصفة في حديث ابن مسعود رضي الله عنه مع اسم { الملك }([7]).
حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً : (يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر، كلاهما يدخل الجنة) فقالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: ((يقاتل هذا في سبيل الله  فَيُسْتَشْهَد ثم يتوب الله على القاتل فيسلم فيقاتل في سبيل الله  فيستشهد) .([8])
في هذا الحديث دليل صحيح صريح على إثبات صفة الضحك لله على الوجه اللائق بجلاله تعالى، لا يشبه أحداً من خلقه، وهذه الصفة من الصفات الفعلية التي يفعلها الله إذا شاء متى شاء كيف شاء على الوجه اللائق به سبحانه.[9]
وقوله (يَضْحَكُ اللهُ إِلَى رَجُلَيْنِ) (يَضْحَكُ) فعل ولكن الفعل مشتمل على مصدر وهو الضحك ولهذا يثبت منه صفة الضحك لله جل وعلا لأن المقصود هنا الإثبات سياق الإثبات .
والضحك صفة لازمة مثل ما ذكرنا فعلية لازمة تقوم بالله جل وعلا بمشيئته وقدرته وهي لازمة وأهل السنة على قاعدتهم يثبتون الضحك لله كما يليق بجلاله وعظمته .
قال الإمام ابن خزيمة في كتاب ((التوحيد)) (2/563) : (باب : ذكر إثبات ضحك ربنا عَزَّ وجلَّ : بلا صفةٍ تصفُ ضحكه جلَّ ثناؤه ، لا ولا يشبَّه ضَحِكُه بضحك المخلوقين ، وضحكهم كذلك ، بل نؤمن بأنه يضحك ؛ كما أعلم النبي صلى الله عليه وسلم ، ونسكت عن صفة ضحكه جلَّ وعلا ، إذ الله عَزَّ وجلَّ استأثر بصفة ضحكه ، لم يطلعنا على ذلك ؛ فنحن قائلون بما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، مصَدِّقون بذلك ، بقلوبنا منصتون عمَّا لم يبين لنا مما استأثر الله بعلمه)) .
ومعنى قولـه : ((بلا صفةٍ تصفُ ضحكه)) أي بلا تكييف لضحكه.
وقال أبو بكر الآجري في ((الشريعة)) (ص 277) : ((باب الإيمان بأن الله عَزَّ وجلَّ يضحك : اعلموا - وفقنا الله وإياكم للرشاد من القول والعمل - أنَّ أهل الحق يصفون الله عَزَّ وجلَّ بما وصف به نفسه عَزَّ وجلَّ ، وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم ، وبما وصفه به الصحابة رضي الله عنهم . وهذا مذهب العلماء مِمَّن اتّبع ولم يبتدع ، ولا يقال فيه : كيف؟ بل التسليم له ، والإيمان به ؛ أنَّ الله عَزَّوجلَّ يضحك ، كذا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن صحابته رضي الله عنهم ؛ فلا ينكر هذا إلا من لا يحمد حاله عند أهل الحق)).
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام لما قيل له : هذه الأحاديث التي تروى ؛ في : الرؤية ، والكرسي موضع القدمين ، وضحك ربنا من قنوط عباده ، وإن جهنم لتمتلئ ... وأشباه هذه الأحاديث ؟ قال رحمه الله : ((هذه الأحاديث حقٌ لا شك فيها رواها الثقات بعضهم عن بعض)).
قال الحافظ 6 / 40 على حديث رقم ( 2826) قوله : " يضحك الله إلى رجلين " قال الخطابي: الضحك الذي يعتري البشر عندما يستخفهم الفرح أو الطرب غير جائز على الله تعالى ، وإنما هذه مثل ضرب لهذا الصنيع الذي يحل محل الإعجاب عند البشر فإذا رأوه أضحكهم ، ومعناه الإخبار عن رضا الله بفعل أحدهما وقبوله للآخر ومجازاتهما على صنيعهما بالجنة مع اختلاف حاليهما .
 قال : وقد تأول البخاري الضحك في موضع آخر على معنى الرحمة ، وهو قريب ، وتأويله على معنى الرضا أقرب ، فإن الضحك يدل على الرضا والقبول .
قال : والكرام يوصفون عندما يسألهم السائل بالبشر وحسن اللقاء ، فيكون المعنى في قوله : "يضحك الله " أي يجزل العطاء .
قال : وقد يكون معنى ذلك أن يعجب الله ملائكته ويضحكهم من صنيعهما ، وهذا يتخرج على المجاز ، ومثله في الكلام يكثر " .
قال الشيخ البراك: قول الخطابي: " الضحك الذي يعتري البشر عند ما يستخفهم الفرح أو الطرب .... إلخ ":


مذهب أهل السنة في صفة الضحك لله تعالى:
مذهب أهل السنة في الضحك المضاف إلى الله تعالى في هذا الحديث وغيره إثباته لله عز وجل على ما يليق به ويختص به ، وأنه ضحك لا كضحك المخلوقين كما يقولون مثل ذلك في سائر ما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم ؛ فعندهم أنه تعالى يضحك حقيقة، والضحك منه تعالى غير العجب، وغير الرحمة والرضا، لكنه يتضمن هذه المعاني أو يستلزمها.

مذهب الفرق الضالة:
ونفي حقيقة الضحك عن الله تعالى هو مذهب الجهمية والمعتزلة ومن تبعهم من الأشاعرة. وليس لهذا النفي من شبهة إلا من جنس ما تُنفى به سائر الصفات. ثم إن الذين نفوا الضحك عن الله عزوجل من الأشاعرة أو من وافقهم منهم من يسلك في النصوص طريقة التفويض فلا يفسرها، ولا يثبت ظاهرها إلا بلفظ دون معنى، ومنهم من يسلك فيها طريقة التأويل فيفسرها بما يخالف ظاهرها؛ وهذا هو الذي سلكه الخطابي فيما نقله عنه الحافظ رحمهما الله تعالى، وعفا عنهما.
ونقول: نعم، الضحك الذي يعتري البشر عند ما يستخفهم الفرح أو الطرب غير جائز على الله تعالى؛ فإن ذلك ضحك البشر وهو مختص بهم، وضحك الرب سبحانه مختص به. فليس الضحك كالضحك، كما يقال مثل ذلك في قدرته وإرادته وغير ذلك من صفاته سبحانه وتعالى.

mmm

الفصل الثاني

إثبات صفة الضحك لله تعالى:
الضحك صفة من صفات الله جل في علاه، وهي من الصفات الثبوتية الفعلية التي ثبتت لله بالكتاب والسنة وإجماع أهل السنة. ثبتت في الكتاب لأن الله تعالى قال: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]. أما في السنة فقد جاءت هذه الصفة تصريحاً من النبي صلى الله عليه وسلم بأنه وصف ربه بالضحك، حيث ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة وهذا فيه دلالة واضحة على أن الله يضحك؛ لأنه أضاف الفعل لله جل في علاه، فالله يضحك، ولكن لا يضحك الله كضحك المخلوق، وضحك الله صفة ثابتة له تليق بجلاله وكماله سبحانه، وضحكه سبحانه غير ضحك المخلوق؛ لأن المخلوق إذا ضحك تعجب، أو ضحك من أسباب يجهلها. أما الله جل في علاه يعلم ما كان، وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف سيكون، وهو يضحك بكيفية يعلمها الله، فنحن نفوض علم الكيفية لله جل في علاه، فإذا سألك سائل وقال: تؤمن وتعتقد بأن ربك يضحك؟ تقول: نعم، أؤمن وأعتقد في قلبي اعتقاداً جازماً بأن ربي يضحك، وضحك الله جل في علاه يليق بجلاله. فالضحك في اللغة معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عن الكيفية بدعة، وهذا هو الإيمان الصحيح الذي آمن به صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإذا علم العبد أن الله يضحك فإنه لا بد أن يعتقد اعتقاداً جازماً بلوازم هذا الضحك، فإن الله جل في علاه يضحك للبشر، وإذا ضحك الله لعبد من عباده فقد أراد له الخير؛ لأنك إذا رأيت عبداً من عباد الله يضحك لك في وجهك إذا كلمته، أو إذا طلبت منه شيئاً فضحك لك؛ فأنت ستستبشر خيراً بأن مطلوبك سيتحقق، فما بالكم بالله جل في علاه؟ والقياس بين الله وبين عباده ثلاثة أنواع: قياس علة، وقياس شبه، وقياس جلي، وكل هذه القياسات باطلة بين الله وبين المخلوق إلا القياس الأول: قياس علة، فكل كمال يوصف به العبد فالله أولى به وأكمل جل في علاه. والغرض المقصود: أن صفة الكمال هي لله جل في علاه، فقولنا: إذا كان البشر يضحكون فإنه إذا ضحك لي شخص فإني أستبشر خيراً من ضحكه، فمن باب أولى أن نستبشر بضحك الله جل في علاه، ففي الحديث: أنَّ رجلاً كافراً قاتل رجلاً مسلماً فقتله، فالمقتول شهيد، وقد كتب الله الجنة للشهيد، وقد ضحك الله إلى هذين الرجلين؛ لأن الرجل الذي قتل دخل الجنة، والقاتل نفسه أسلم بعدها، فقاتل فقتل في سبيل الله جل في علاه. فإذا ضحك الله فإن المرء يدخل الجنة بضحك الله وإثابته لعبده؛ ولذلك فإنه يتسامح في تراجم الأسانيد؛ ولذلك ورد في حديث الرجل الذي يدخل بين الصفين أن رجلاً قام فقال: يا رسول الله! يضحك ربنا؟! قال: يضحك ربنا، قال: إذاً: لن نعدم خيراً من رب يضحك، قال: ما الذي يضحك الرب؟ قال: أن تدخل وتخلع لأمتك وتدخل بين الصفين تقاتل حتى تقتل مقبلاً غير مدبر فدخل الرجل وهو يعتقد: أن ربه يضحك، وإذا أضحك هذا الرجل ربه فإن الرجل إثابته عند الله تكون عظيمة، فإذا اعتقد المرء بأن ربه يضحك فإنه سيأخذ بأسباب ضحك الله، وأسباب ضحك الله جل في علاه هي الطاعة المنقادة والجهاد في سبيل الله، وهي التقدم نحو أعداء الله بشجاعة وبسالة دون تراخ ودون تقاعس، فهذا هو الذي يثيب المرء، بتقدمه لله جل في علاه، فيضحك الله من فعله فيثيبه بالجنات.
من الصفات الفعلية: صفة الضحك في هذا الحديث يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر ثم يدخلان الجنة يقاتل أحدهما في سبيل الله؛ فيستشهد ثم يتوب الله على القاتل فيسلم فيقاتل أيضا ويقتل شهيدا فكلاهما قتل شهيدا؛ الأول قتل مسلما كذلك المسلم الذي قتل دخل الجنة؛ لكونه شهيدا, القاتل أسلم, ولما أسلم قاتل أيضا فقتل, فهذا من العجب؛ يضحك الله إلى رجلين, وفي الحديث الذي ذكرت, عجب ربك من قنوط عباده وقرب غيره, ينظر إليكم آزلين قانطين فيظل يضحك فهذا أيضا إثبات صفة الضحك.
لما حدث النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث أبا رزين العقيلي قال: يا رسول الله وإن ربنا ليضحك قال: نعم، قال: لا نعدم من رب يضحك خيرا فاعترف هذا الصحابي بهذه الصفة لله تعالى فهذه أحاديث وآيات دالة على إثبات صفات الفعل لله تعالى. (سنن ابن ماجه :1 / 64)([10])
فهم السلف الصالح لنصوص الصفات:
وقول الخطابي: " وقد تأول البخاري الضحك في موضع آخر على معنى الرحمة " فيه نظر، والأشبه أن هذا لا يصح عن البخاري، ويؤيد ذلك قول الحافظ رحمه الله تعالى عندما نقل قول الخطابي عن البخاري في كتاب التفسير حديث ( 4889 ) حيث قال: "قال الخطابي: وقال أبو عبد الله : معنى الضحك هنا الرحمة"  قلت: - أي الحافظ - ولم أر ذلك في النسخ التي وقعت لنا من البخاري.
قال الحافظ 6 / 40 على حديث رقم ( 2826): قال: " وقال ابن الجوزي: أكثر السلف يمتنعون من تأويل مثل هذا ويمرونه كما جاء، وينبغي أن يراعى في مثل هذا الإمرار اعتقاد أنه لا تشبه صفات الله صفات الخلق، ومعنى الإمرار عدم العلم بالمراد منه مع اعتقاد التنزيه.
قلت: ويدل على أن المراد بالضحك الإقبال بالرضا تعديته بإلى، تقول: ضحك فلان إلى فلان، إذا توجه إليه طلق الوجه، مظهرا للرضا عنه " .
قال الشيخ البراك : قول ابن الجوزي: " أكثر السلف يمتنعون من تأويل مثل هذا ويمرون كما جاء .... إلخ":
المعروف عن ابن الجوزي نفي حقائق الصفات الخبرية - مثل الضحك والفرح - كما هو مذهب جمهور الأشاعرة. ثم إن كثيرًا منهم يفسر النصوص الواردة في تلك الصفات بما يخالف ظاهرها، كما فسروا المحبة والرضا بإرادة الإنعام.
وقد يفسرون الفرح والضحك بمثل ذلك، أو يفسرونهما بالرحمة والرضا. وهذه طريقة أهل التأويل منهم فيجمعون بين التعطيل والتحريف.
ومنهم من يذهب في نصوص الضحك والفرح ونحو ذلك مذهب التفويض؛ وهو إمرار ألفاظ النصوص من غير فهم لمعناها؛ فعندهم أنها لا تدل على شيء من المعاني. وهذا يقتضي أنه لا يجوز تدبرها لأن المتدبر يطلب فهم المعنى المراد، ولا سبيل إليه عندهم.
وقد زعم ابن الجوزي فيما نقله عنه الحافظ هنا أن هذا – أي التفويض – هو مذهب أكثر السلف. وهو باطل وغلط عليهم، بل إن السلف يثبتون ما أثبته الله عز وجل لنفسه أو أثبته له رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصفات.
ومن قال من السلف في نصوص الصفات: أمروها كما جاءت أو أمروها بلا كيف لا يريدون أنه لا معنى لها كما يدَّعي المفوضة من النفاة، بل يريدون إثبات ما يدل عليه ظاهرها وعدم العدول بها عن ظاهرها، فلا يجوز حمل كلامهم ذلك على ما يخالف المعروف من مذهبهم في صفاته سبحانه وتعالى.
قال بيان الحق النيسابوري ( 553 هـ ) في معنى : « يضحك الله إلى رجلين . . . »([11]) : معنى الضحك : الرضا بفعلهما جمل([12]).
وهذا تأويل مخالف لأحاديث الضحك الكثيرة ، منها ما رواه ابن مسعود في آخر أهل النار خروجا، وفيه :
« أيرضيك أن أعطيك الدنيا ومثلها معها ؟ قال : يا رب أتستهزئ مني وأنت رب العالمين ؟ فضحك ابن مسعود ، فقال : ألا تسألوني مم أضحك ؟ ، فقالوا : مم تضحك ؟ قال : هكذا ضحك رسول الله ـ صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فقالوا : مم تضحك يا رسول الله ؟ قال : من ضحك رب العالمين حين قال : أتستهزئ مني وأنت رب العالمين ؟ »([13])، ومنها ما رواه أبو رزين عنه ـ صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أنه قال : « ضحك ربنا من قنوط عباده ، وقرب غيره ، قال : قلت : يا رسول الله أو يضحك الرب عز وجل ؟ قال : نعم ، قال : لن نعدم من رب يضحك خيرا  » .
وسئل أبو عمر الزاهد غلام ثعلب - الذي ألف كتابا في غريب مسند الإمام أحمد([14])- عن معنى الضحك في هذا الحديث ، فقال :
" الحديث معروف ، وروايته سنة ، والاعتراض بالطعن عليه بدعة ، وتفسير الضحك تكلف وإلحاد"([15]). يريد أبو عمر بذلك أن معنى الضحك في الحديث واضح ، لا خفاء به ، فمن ترك المعنى المتبادر ، والمفهوم الظاهر منه ، ولجأ إلى تفسيره بما لا يلائم الظاهر فقد تكلف في التأويل وألحد في صفة من صفات الله تعالى .
هذا ، وما قدمناه كنماذج لتأويل الصفات الذي أدى إلى التعطيل ، أخذا من كتب غريب الحديث ، يكفي لإظهار ما فيها أو في معظمها من أفكار التجهم والاعتزال - والعياذ بالله - فليحذر الذين يستفيدون منها ، وينقلون عنها ، وليدركوا ما في النقول قبل نقلها والموافقة عليها .
فوائد في هذا الحديث:
إثبات الضحك لله سبحانه وتعالى كما يليق بجلاله وعظمته ، وهذا لا نحتاج إلى تفسير كالفرح فيما سبق ، وإنما يُذكر بالآثار ، وإلا المعنى يُدركه كل من سمع كلمة ضحك حينئذٍ يقوم به المعنى بقلبه ، لكن لا يلزم من الضحك هو معنًى قائمٌ بالقلب كالفرح حينئذٍ الابتسامة وفتح الفم ونحو ذلك هذه آثار ليست هي داخلةٌ في مسمى الضحك ، ولذلك لا تثبت للباري جل وعلا وإلا صار تكييفًا ، ولذلك بعضهم نفى هذه الصفة بناءً على ماذا ؟ على أنه يستلزم فتح الفم وإظهار السنون والنواجز ونحو ذلك ، وهذا كله لا يلزم ، لأنه ليس هو الضحك ، وإنما هو ماذا ؟ هو أثرٌ من آثار الضحك وحينئذٍ لا يلزم تفسيره به ، وإنما المعنى الذي يُدْرَكُ منه ما جاء في لسان العرب .
ومنها : فيه فضل الجهاد في سبيل الله وعِظَمِ أجر المجاهد ، لأنه قال : يدخل الجنة « كلاهما يدخل الجنة » وهذا دل على فضيلة الجهاد في سبيل الله ، وقد تكاثرت الأدلة في الحثِّ على الجهاد في سبيل الله.
ومنها فيه فضلُ القتل في سبيل الله ، وأن المقتول في سبيل الله بهذا القيد - في سبيل الله - يعني لم يُرِدْ إلا إعلاء كلمة الله تعالى لا لأمرٍ آخر يدخل الجنة وهذا فضلٌ عظيم .
قال ابن عبد البر : يستفاد من الحديث أن كل من قُتِلَ في سبيل الله يدخل الجنة . بهذا القيد وليس بالهين [ وعليكم السلام ورحمة الله ] كُلّ من قتل في سبيل الله يعني خالصًا مخلصًا لله عز وجل لم يخرجه لا مالٌ ولا أرضٌ ولا غيرها ، وإنما خرج لأجل الله جل وعلا ولإعلاء كلمة الله تعالى حينئذٍ يدخل الجنة
ومنها أن القتل في سبيل الله يُكفر الذنوب .
ومنها أن التوبة تأتي على سائر الذنوب حتى ذنب القتل .
إذًا في الحديث إثبات صفة الضحك وهذه صفة جاءت في هذه السنة وهي مستقلة تزاد على ما جاء في الكتاب ، ولو كان الحديث وإن كان بعضهم يرى أنه حديثٌ متواتر ولو كان حديثًا آحادًا على القاعدة عند أهل السنة والجماعة أن الأحاديث متى ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم بالسند الذي نقله العدل عن العدل الضابط عن مثله حينئذٍ وجب التسليم له ، ولا نقول : هذا حديث آحاد لم يتعدد رواته ، وإنما السنة كل ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم وجب قبوله واعتقاد ما دل عليه . 
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى : ( وَقَوْلُهُ  : «عَجِبَ رَبُّنَا مِنْ قُنُوطِ عِبَادِهِ وَقُرْبِ غِيَرِهِ ، يَنْظُرُ إلَيْكُمْ أَزِلِينَ قَنِطِينَ، فَيَظَلُّ يَضْحَكُ؛ يَعْلَمُ أَنَّ فَرَجَكُمْ قَرِيبٌ» ([16]). حَدِيثٌ حَسَنٌ ) . هذا الحديث فيه إثبات بعض الصفات لكن أورده المصنف هنا لأنه أورد ما يتعلق بالعلم وما يتعلق بالضحك ، حينئذٍ أراد أول الحديث « عجب ربنا » ففيه إثبات صفة العجب ، وكذلك فيه « ينظر إليكم » فيه إثبات صفة النظر ، وفيه « فيظل يضحك » فيه إثبات صفة الضحك ، « يعلم » فيه إثبات صفة العلم . وهذه أربع صفات جاء في السنة ، وبعضها جاء في الكتاب كالعلم كذلك العجب وبعضها استقلت به السنة في إثباته .
هذا الحديث رواه أحمد وابنه عبد الله في حديثٍ طويل، ولفظه « ضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غِيرِهِ » .. إلى آخره ، وانظر هنا ابن تيمية رحمه الله تعالى حسَّن الحديث . وقال : ( حَدِيثٌ حَسَنٌ ) . ومر معنا الأحاديث الصحاح ، وقلنا : الصحيح في الاصطلاح يقابل الحسن ، والحسن يقابل الصحيح ، هل أراد ابن تيمية رحمه الله تعالى أن الحديث الحسن لا تثبت به الصفات ؟ الجواب : لا ، بدليل ماذا ؟ بدليل هذا النص الذي معنا ، فإنه حسَّن الحديث ومع ذلك أورده في إثبات الصفات ، فدل على أن قوله فيما سبق : ( الأَحَادِيثِ الصِّحَاحِ ) . أراد به ما يقابل الضعيف ، فشمل الحسن ، وهو اصطلاح عند كثير من المتقدمين ، يُقَسِّمُون الحديث إلى صحيح وضعيف ، ثم اختلفوا في الحسن في أيّ النوعين يدخل، - فالأكثرون على أنه يدخل في الحسن لغيره - فالأكثرون على أنه يدخل في الصحيح ، وقلة على أنه يدخل في الضعيف ، وابن تيمية هنا جرى على هذا الاصطلاح فأدخل الحسن في الصحيح ، ثم كل ما يذكره أئمة السنة هنا في هذا المقام وعَلَّقُوا الحكم بصحة الحديث فأرادوا به ما يقابل الضعيف ، حينئذٍ تكون القاعدة: كل ما ثبت عن النبي  فيُطلق عليه أنه صحيح ولو كان يُسمى في الاصطلاح بالحديث الحسن بدليل ما ذكر .   
قوله : (« عَجِبَ ») . فَعِلَ (« عَجِبَ ») على وزن فَعِلَ العجب لغةً له معنيان : استحسان الشيء ، ويكون لاستقباح الشيء . يعني يأتي بهذا وذاك ، وهذا معنى واحد . قال في (( المفردات )) : العجب والتعجب حالة تعرض للإنسان عند الجهل بسبب الشيء . يعني خفاء الأسباب فيتعجب خَفِيَ عليه السبب ، حينئذٍ يعتريه حالة في نفسه يتعجب من هذا الشيء ، وهذا محال أن يوصف به الباري جل وعلا . قال هنا : العجب والتعجب حالة تعرض للإنسان عند الجهل بسبب الشيء ، ولهذا قال بعض الحكماء : العجب مما لا يعرف سببه . فحينئذٍ يكون ناشئًا عن جهل ، وهل يوصف الباري جل وعلا بهذا المعنى ؟ الجواب : لا ، ويقال المعنى الثاني الذي يُطلق ويراد به ويُقال يعني يُحمل ويُطلق لِمَا لم يُعْهَدْ مثله عجيب ، يعني شيء خرج عن نظائره ، يعلمه ليس خفيًّا خفيّ السبب لكنه خرج عن نظائره ، حينئذٍ يتعجب ربنا من ذلك ، وهذا المعنى هو الذي يوصف به الباري جل وعلا ، إذًا يُطلق العجب في لسان العرب ويراد به ماذا ؟ يُراد به حالة تعرض للإنسان عند الجهل بسبب الشيء ، يعني إذا خَفِيَ سببه وهذا محال أن يوصف به الباري جل وعلا ، وحينئذٍ يجب حمل اللفظ هنا على المعنى الثاني لأنه هو اللائق ليس فيه عيب ولا نقص ، ويجب كما قلنا فيما سبق الأصل في الألفاظ الواردة في الصفات أنه يُنظر في معانيها في لسان العرب ، فإن تعددت نظرنا إن كانت كُلُّها معانٍ حسنة حينئذٍ حمل اللفظ على جميع المعاني لا تنافي بينها ، وإن كان بعضها نقص وبعضها حسنٌ كمال ، فحينئذٍ وجب حمل اللفظ على كماله
كاللفظ الذي معنا هنا ، ولهذا قال : يُقال لِمَا لَمْ يُعْهَدْ مثله عجيب . ولذلك جاء في القرآن ﴿قُرْآناً عَجَباً ﴾ [ الجن : 1] ، يعني خرج عن نظائره ، أي لم يعهد مثله هكذا قال في ((المفردات)) ، وفَسَّرَهُ بعضهم بأنه استغراب الشيء ويكون ذلك لسببين - هو المعنى السابق الذي أراده صاحب (( المفردات)) - :
الأول : خفاء الأسباب على المتعجب بحيث يأتيه فجأة . وهذا محال في حق الله تعالى لأنه بكل شيء عليم ، [ الذي يجهل هو الذي أو الذي يكون ] الذي يتعجب بسبب خفاء الأسباب هو الجاهل ، والله عز وجل كما مر معنا موصوف بالعلم .
الثاني : أن يكون السبب فيه خروج هذا الشيء المتعجب منه عن نظائره ، وهذا ثابت لله تعالى لأنه ليس عن نقصٍ في المتعَجِّبِ .
إذًا (« عَجِبَ رَبُّنَا ») لكون هذه الحالة خرجت عن نظائرها فتعجب الله عز وجل ، وثبتت هذه الصفة لله تعالى في القرآن ، يعني ليست من السنة المؤسسة هنا ، بل جاء في القرآن كما في سورة الصافات قال الله جل وعلا لنبيه : ( بَلْ عَجِبْتُ وَيَسْخَرُونَ ) [ الصافات : 12] . ( بَلْ عَجِبْتُ ) فيها إثبات صفة العجب لله جل وعلا على قراءة حمزة والكسائي فإن فيها ضم التاء من ( عجبتُ ) ، ﴿ عَجِبْتَ ﴾ ( عجبتُ ) قراءتان ﴿ عَجِبْتَ ﴾ أنت يا محمد ، ( عجبتُ ) يعني مَنْ ؟ الله عز وجل ، حينئذٍ فيه إثبات صفة العجب لله عز وجل ، على قراءة حمزة والكسائي فإن فيها ضم التاء من      ( عجبتُ ) القراءة المشهورة ﴿ بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ ﴾ ، ( بَلْ عَجِبْتُ ) يعني عجب الله جل وعلا ، وكذلك يستأنس أو ممكن أن يُحْمَل قوله جل وعلا على هذا المعنى قوله سبحانه في سورة الرعد : ﴿ وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ ﴾ [ الرعد : 5] . ﴿ وَإِن تَعْجَبْ ﴾ أنت ، ﴿ فَعَجَبٌ ﴾ يعني التعجب الثاني من الباري جل وعلا ، لكن آية الصافات أظهر ، ﴿ وَإِن تَعْجَبْ ﴾ أنت ﴿ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ ﴾ يعني تعجب من عدم إيمانهم أو من إنكارهم البعث .. إلى آخره مما قالوه ، ﴿ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ ﴾ ، فالمتعجب هو الله جل وعلا، المتعجب هنا هو الله جل وعلا .
في هذه الآية أيضًا إثبات صفة العجب لله جل وعلا ، إذًا صفة العجب لله سبحانه وتعالى ليست مستقلة بها السنة ، وإنما جاءت في القرآن والسنة ، دل عليها دليل القرآن والسنة في الأدلة الثابتة السابقة، ولو لم يرد إلا ( عَجِبْتُ ) لكفى لأنه لا يشترط تعدد الأدلة في إثبات الصفة . متى ما جاءت آية واحدة في القرآن كفى في إثبات الصفة .
فالعجب لله جل وعلا ثابتٌ وهو دليل على كماله وعزته وقهره لخلقه ، وأن خلقه ضعفاء فقراء إليه جل وعلا لا يعلمون ما يستقبلون ، ولا يعلمون أحوالَهم ، بل أحوالُهم على التردد وعدم فهمهم لأحوالهم كما ينبغي ، والله جل وعلا هو العالم بما سيكون وما يكون سبحانه وتعالى ، فيتعجب من حال عباده لخروج الشيء عن نظائره ، إذًا العجب هذه صفة كمال لله جل وعلا .
قوله : (« مِنْ قُنُوطِ عِبَادِهِ ») . هذا السبب الذي تعجب الله جل وعلا منه أو الحال التي تعجب الله تعالى منها ، القنوط هو شدة اليأس ، يعجب الرب عز وجل من دخول اليأس الشديد على قلوب العباد مع كونه أرحم الراحمين ، فكيف تعبد ربك وهو أرحم الراحمين ؟ [ فحينئذٍ يقع مثل هذا الشدة في القلوب من نعم ] فكيف يدخل حينئذٍ في القلوب شدة اليأس وهذا فيه معارضة لكونه أرحم الراحمين .
القنوط هو شدة اليأس يعجب الرب عز وجل من دخول اليأس الشديد على قلوب العباد .
قوله : (« وَقُرْبِ غِيَرِهِ ») . (« غِيَرِهِ ») أولى من خِيَرِهِ ، (« غِيَرِهِ ») أي مع قرب غيره ، يعني الواو هنا بمعنى ( مع ) ، وقرب يعني ( مع ) ، قرب غيره فالواو بمعنى ( مع ) ، والْغِيَر اسم جمع لِغِيَرَة كَطِيَر وَطِيَرَة وهي اسم بمعنى التغيير ، والمعنى مع قرب تغييره ، أي تغييره الحال من حال شدةٍ إلى حال رخاء . إذًا (« مِنْ قُنُوطِ عِبَادِهِ وَقُرْبِ غِيَرِهِ ») يعني تغييره للأحوال ، ما أقرب أن يغيِّرَ الله عز وجل أحوال العباد، وحينئذٍ لا يحتاج إلى أن يكون اليأس قائمًا بالقلب في هذه الحال ، (« يَنْظُرُ إلَيْكُمْ أَزِلِينَ قَنِطِينَ») ، («يَنْظُرُ إلَيْكُمْ ») يعني بالعين ، ففيه إثبات صفة النظر ، (« أَزِلِينَ قَنِطِينَ ») أي ينظر الله إليكم بعينه ، والأَزْلُ أَزْلُ على وزن فَعْل بالسكون الشدة والضيق ، والأَزِلُ اسم فاعل ، يعني من قام به الأَزْلُ كالفَرَح والفَرِح ، فَرَح هذا مصدر ، والفَرِح هذا اسم فاعل ، كذلك الأَزْل بإسكان الزاي هذا مصدر ، والأَزِل هذا اسم الفاعل ، والأَزِل على وزن كَتِف هو الذي أصابه الأَزْلُ واشتد به الحال حتى كاد يقنط وهو الواقع في الشدة ، و(« قَنِطِينَ ») جمع قَانِط وهو اليائس من الفرج وزال الشدة ، فذكر النبي s حال الإنسان وحال قلبه ، حال الإنسان أنه واقع في شدة وحال قلبه أنه قانط يائس مُسْتَبْعِدٌ للفرج اجتمع فيه الأمران قال : (« فَيَظَلُّ يَضْحَكُ ») . يعني من هذه الحال العجيبة كيف يقنط من رحمة أرحم الراحمين ؟ (« يَعْلَمُ - جل وعلا - أَنَّ فَرَجَكُمْ قَرِيبٌ ») أي زوال شدتكم قريب ، وهذا الحديث كقوله سبحانه وتعالى : ﴿وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ ﴾ [ الشورى : 28] . والمعنى أنه سبحانه وتعالى يعجب من قنوط عباده عند احتباس القطر عنهم ، وقنوطهم ويأسهم من الرحمة ، وقد اقترب وقت فرجه ورحمته لعباده بإنزال الغيث عليهم وتغييره لحالهم ، وهم لا يشعرون فعند تناهي الكرب يكون الفرج كما جاء في الحديث « وإن الفرج مع القرب وإن مع العسر يُسرًا » . ففي هذا الحديث كغيره من الأحاديث المتكاثرة جدًّا إثبات الضحك والعجب لله سبحانه وتعالى حقيقةً كما يليق بجلاله وعظمته .
والأحاديث في إثبات الضحك لله سبحانه وتعالى متواترة عند بعض أهل العلم ، وقلنا : إن لم تكن متواترة فحينئذٍ لو كانت آحاد أو مشهورة أو مستفيضة فلا فرق في إثبات الأحكام الشرعية سواء كان في باب المعتقد وغيره بهذه الأحاديث . 
وفيه إثبات النظر لله سبحانه وتعالى لقوله : (« يَنْظُرُ إلَيْكُمْ ») . يعني بعينه والقدرة والعلم والرحمة ، وكل هذه من الصفات الفعلية فنُثبتها لله سبحانه وتعالى حسب ما جاءت بذلك الأدلة المتكاثرة ، وليس في إثبات هذه الصفات محظور البتة ، فإنه ضحكٌ ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ ، وعجب﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾، وحكمه حكم رضاه ومحبته وإرادته وسمعه وبصره وسائر صفاته ، فالباب واحد لا نُثبت بعض الصفات وننفي بعض الصفات الأخرى ، بل الباب الواحد لا تمثيل ولا تعطيل فالقول في الصفات كالقول في الذات ، فكما أننا نعتقد أن لله ذاتًا لا تُشبه الذوات ، فالصفات [ يُحْذَى بها ] يُحْذَى فيها حَذْو الذات ، والصفات حكمها واحد لا فرق بين صفةٍ وصفة وبابها واحد ، فإذا أثبتنا بعضًا ونفينا البعض الآخر تناقضنا كما فعل الأشاعرة نفوا أكثر الصفات وأثبتوا سبعًا منها ، لأن الأدلة التي أثبتت تلك الصفة هي التي تثبت بها الصفات الأخرى من الصفات التي نَفَوْهَا ، فإثبات بعض ونَفْي بعض يعتبر تناقضًا .
حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً : (يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر، كلاهما يدخل الجنة) فقالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: ((يقاتل هذا في سبيل الله  فَيُسْتَشْهَد ثم يتوب الله على القاتل فيسلم فيقاتل في سبيل الله  فيستشهد) .([17])
في هذا الحديث الجليل يخبرنا صلى الله عليه وسلم عن كرم الله وجوده وأنه متنوع، فهذان الرجلان اللذان قتل أحدهما الآخر جعل الله لكل منهما سبباً أو صلة إلى الجنة.
فالأول: قاتل في سبيل الله فأكرمه الله على يدالرجل الآخر الذي لم يسلم بعد بالشهادة التي هي أعلى المراتب بعد مرتبة الصديقين وأما الآخر فإن الله جعل باب التوبة مفتوحاً لكل من أراد التوبة بالإسلام فما دونه فلما تاب محا الله عنه الكفر وآثاره، ثم منَّ عليه بالشهادة فدخل الجنة كأخيه الذي قتله، ففي هذا الحديث:
أولاً: إثبات صفة الضحك لله، وهى من الصفات الفعلية.
ثانياً: إثبات الألوهية.
ثالثاً: الترغيب في دخول الإسلام.
رابعاَ: فيه دليل على تنوع كرم الله وجوده.
خامساً: أن القتل في سبيل الله يكفر الذنوب.
سادساً: أن التوبة تأتي على جميع الذنوب حتى القتل.
سابعاً: الحث على الجهاد في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا.
ثامناً: فضل الجهاد في سبيل الله، وأن القتل فيه سبب لدخول الجنة.
تاسعاً: إثبات الأسباب.
عاشرًا: الرد على من أنكر صفة الضحك أو أولها بتأويل باطل كالجهمية والأشاعرة والمعتزلة.
الحادي عشر: أن التوبة من أجل الطاعات.
الثاني عشر: إثبات البعث بعد الموت.
الثالث عشر: إثبات الحشر والحساب والجنة والنار.
الرابع عشر: أن باب التوبة مفتوح.
الخامس عشر: دليل على محاسن الدين الإسلامي[18].

         
الخاتمة
 وأسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته أن يهدينا وسائر المسلمين إلى الحق وأن يجنبنا الزيغ والضلال والشك، وأن يغفر لنا جميعاً ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا ويثبت أقدامنا وأن لا يؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، إنه سميع مجيب.
ولا مانع أبداً من الحوار العلمي البناء، لمزيد من الفهم وتحرير المسائل، لكن دون أن يؤدي بنا ذلك إلى أن يكفر بعضنا بعضاً، أو يتهم بعضنا بعضاً بالفسق أو البدعة أو الضلال، أو الخروج من الفرقة الناجية، من أهل السنة والجماعة.
أسأل الله تعالى أن يوحد قلوبنا جميعا على الحق والتقوى، وألا يجعل بأسنا بيننا، ويجعل بأسنا على عدوه وعدونا.
اللهم تقبل هذا العمل، واجعله خالصاً لوجهك الكريم ، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ،ولا تجعلهما علينا متشابهين فنتبع الهوى فنضل، يا أرحم الراحمين.
وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين



المراجع والمصادر

1.              القرآن الكريم.
2.              صحيح البخاري. أبو عبد الله محمد إسماعيل البخاري، مكتبة دار السلام الرياض،2010م.
3.              صحيح مسلم. مسلم بن حجاج القشيري، مكتبة دار السلام الرياض، 2010م.
4.              معجم مقاييس اللغة، أحمد بن فارس بن زكريا أبو الحسين، دار الفكر للنشر والطباعة 1395هـ.
5.               كتاب التوحيد واثبات صفات الرب عز وجل، ابن خزيمه، محمد بن اسحاق بن خزيمه السلمى،  مكتبه الرشد الرياض، 1415هـ.
6.              إبطال التأويلات لأخبار الصفات،محمد بن الحسين بن محمد الفراء أبو يعلى، دار إيلاف الدولية ، الكويت بدون تاريخ.
7.              شرح العقيدة الواسطية، محمد خليل هراس، مطبعه نشر الثقافة .
8.              مدارج السالكين، أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ( ابن قيم الجوزية)، دار الكتب العربي، بيروت 1425هـ.
9.              الروضة الندية،صديق حسن خان القنوجي، ناشر دار ابن عفان للنشر والتوزيع، مصر.
10.        شرح العقيدة الواسطية ، ابن تيمية رحمه الله، مكتبه أضواء السلف،الرياض.

mmm


)1(معجم مقاييس اللغة (ضحك) (3/393،394)، اللسان (ضحك) (4/2557،2558).
([2]) انظر: التوحيد لابن خزيمة (2/563)، رد الإمام الدارمي على بشر (174-181)، المحاضرات السنية (1/444).
([3]) انظر: رد الإمام الدارمي على بشر (175-180)، مجموع الفتاوى (5/61،62،6/121،122).
([4]) انظر: إبطال التأويلات (1/217-220).
([5]) انظر: شرح العقيدة الواسطية لمحمد خليل هراس (112،113).
([6]) انظر: مدارج السالكين (1/216).
([7]) راجع ص 844،845 .
(4) رواه : البخاري (2826) ، ومسلم (1890)
(5)انظر : الروضة الندية، ص175، والكواشف الجلية، ص457
(1) قال الألباني: في " السلسلة الصحيحة " 6 / 732 وصححه الألباني

(1) أخرجه البخاري في صحيحه 6 / 39 رقم 2826 .
(2) الغرائب 119 / أ .
(3) مسلم 3 / 43 . وانظر التوحيد لابن خزيمة ( 231 ) ..
(4) انظر تاريخ بغداد 2 / 358 .
(5) طبقات الحنابلة 2 / 69 .
 (1) الإمام احمد في مسنده ( 4/ 11، 12) وابن ماجه ( المقدمة،1/64) ، وابن عاصم في ( السنة ) (544) والآجري في (الشريعة ) . قال شيخ الإسلام ابن تميمة : ( حديث حسن ) ( الواسطية ، ص 13)
(4) رواه : البخاري (2826) ، ومسلم (1890)
(1) أنظر: شرح العقيدة الواسطية،ص:756