Thursday 28 April 2011

القومية وأثرها المدمّر على وحدة الأمة الإسلامية إعداد: عبد الصبور عبد النور

المملكة العربية السعودية
  جامعة الملك سعود
     كلية التربية
    ثقافة إسلامية
   مناهج وطرق تدريس علوم شرعية                                                         

القومية وأثرها المدمّر على وحدة الأمة الإسلامية

إعداد:
عبد الصبور عبد النور


بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين ، أما بعد!      
  تعريف القومية:
يمكن تعريف القومية بمجموعة من الناس، والتي ربما تنحدر من سلالة واحدة أو سلالات متعددة، تعيش في رقعة جغرافية معينة متواصلة وتمارس أنماط إنتاج اقتصادية متشابهة أو متكاملة فيما بينها‘ وثقافة ولغة وتاريخ وتنظيم اجتماعي وسياسي مشترك، ويمكن أن تكون للمجموعات الاثنية المختلفة داخل القومية الواحدة لغات ولهجات مختلفة تنفرد بها عن غيرها وتستعملها في نطاقها الخاص ولكن تندمج في وتتوحد حول لغة محلية أو مكتسبة لغرض التواصل العام والتجارة والتعليم والتوثيق والتعبير السياسي والقانوني المشترك-  
يذهب هذا المقال إلى أن القومية واقعة نفسية ؛ بمعنى أنها ليست قاصرة على الظهور التاريخي للكلمة فقط كما عرفها الغرب ، ونعني بأن القومية واقعة نفسية أي أن إحساس أمة بذاتها ووجودها ووحدة مصيرها يكون في اللحظات الحاسمة من تاريخها ؛ وبهذا المعنى فإن الإسلام حين ظهر في العرب انتقل بهم إلى مرحلة الأمة التي تقوم على رسالة عالمية ، وفي الواقع فإن الأمة العربية التي صنعها الإسلام رغم شعورها بالتميز والخيرية إلا أنها لم تكن تستند إلى العرف في تميزها ، وإنما استندت إلى ما يمكن أن نطلق عليه : « وظيفتها الإيمانية والحضارية » فالإسلام كان هو الحدث الأهم في تاريخ العرب ، وهو الذي انتقل بهم من الفراغ القبلي إلى أن يكونوا أصحاب رسالة عالمية ووظيفة حضارية ، وباعتبارنا ننظر إلى« العروبة » بوصفها عملية حضارية واسعة وكبيرة تفاعل فيها المسلمون مع
البلدان المفتوحة عبر آليات عديدة منها العلاقة الوثيقة بين العربية والإسلام ، بل بين العرب والإسلام ؛ ومن ثَمَّ كان تعريب الدواوين وإقبال الناس على تعلم العربية .
حقيقة العروبة:
وباعتبار أن « العروبة » عملية حضارية أوسع من مجرد الانتماء إلى العرق العربي ، فإنها قد تمَّت بعد ظهور الإسلام ؛ أي أن العروبة متأخرة في الحقيقة عن الإسلام ، وأن الإسلام كان البوابة والسبب الذي انتشرت العروبة عبره . وبقراءة التاريخ الإسلامي فإن ظهور الحركة الشعوبية في العصر العباسي الأول التي استندت إلى العرق وتمجيد الحضارات السابقة على الإسلام هي التي فصلت بين العروبة والإسلام لأول مرة فيما أعلم وقد كانت الشعوبية إلى حد ما تعبيراً قومياً يستند إلى العرق في مواجهة العرب بكونه عرقاً أيضاً ، وكانت الشعوبية تهدف إلى استعادة الحضارات التي قامت لهذه الشعوب قبل ظهور الإسلام بقصد منازعة الوجود الإسلامي العربي وزلزلته .
حكمة إلهية:
ولحكمة إلهية فإن الاجتماع الإسلامي لم ينفرد به عرق معين ؛ وإنما تداولته الشعوب الإسلامية الأساسية ؛ فالمماليك دافعوا عن الإسلام عقب سقوط الخلافة الإسلامية في بغداد على يد التتار 1258م 658هـ ، والبربر والأكراد كانوا جنوداً للإسلام ومنهم صلاح الدين الأيوبي الذي حرر القدس من أدران الصليبية المجرمة ، وانتصر في معركة حطين سنة 1187م ، ثم جاء الأتراك السلاجقة ثم العثمانيون فبدؤوا جهادهم وفتوحاتهم في عالم جديد يتكامل مع عالم الفتوحات العربية الإسلامية ، واستطاعوا الانتصار على البيزنطيين الروم وإسقاط « القسطنطينية » عاصمة العالم المسيحي في ذلك الوقت عام 1453م على يد الشاب المسلم « محمد الفاتح » ولمَّا يبلغ عمره حينذاك خمسة وعشرين عاماً . وبمراجعة الثقافة التركية فإنها لم تكن تستند إلى العرق أو روابط الدم ؛ ولذا فإن الإسلام كان وجودها وحياتها ، ولم يكن العثمانيون في أي وقت يصفون أنفسهم « بالأتراك » ؛ إذ كانوا يعتبرون أن ذلك دلالة على التخلف الاجتماعي ، أي أن التداول الحضاري في الإسلام لم يستند إلى العرق ، وإنما استند بشكل أساس إلى رسالة الإسلام .
كان الإسلام يكسر عنصر الامتناع في القبلية أو القومية ؛ بحيث لا تتحول إلى عصبية ينتصرالمنتسبون إليها لبني جلدتهم بالحق والباطل على السواء أما الانتصار للعصبية بالحق فأمر ممدوح قد يكون واجباً أو مندوباً وكانت القبائل تخرج تحت راياتها لتتنافس في تحقيق غايات الإسلام ورسالته ، فلم يعرف الإسلام برامج القوميات المعاصرة التي تستهدف صهر الأعراق الأخرى لصالح القومية المتسلطة أو السائدة .
القومية الجديدة :
ظهرت القومية ( Nation ) باعتبارها مصطلحاً في الغرب في القرنين السابع عشر والثامن عشر ، وارتبط ظهورها في الغرب بالقضاء على الإقطاع وظهور الدول الحديثة كألمانيا ، و إيطاليا ، و المملكة المتحدة ، و فرنسا وغيرها ، وارتبط ظهورها بظهور الثورة الصناعية وطبقة التجار والصناع في الغرب « البرجوازية » ثم الرأسمالية ، كما ارتبطت القومية بالعلمانية ؛ حيث أدت التطورات التي عرفتها أوروبا منذ عصر النهضة في القرن السادس عشر إلى الفصل بين الدين والدولة ؛ أي أن القومية في ظل التطورات الغربية التي صاحبتها كانت حركة توحيد وتحرر ؛ لأنها وحدت الأمم الأوروبية المبعثرة والمتناثرة في دولة مركزية واحدة ، فحققت هدف الوحدة ، كما كانت حركة تحرير ؛ لأنها خلَّصت أوروبا من تسلط الكنيسة الكاثوليكية التي فرضت التخلف على العقل الغربي ، وحاولت التحكم في كل الأشياء . وفي إطار موجة التأثر في العالم الإسلامي بالأفكار الغربية ظهرت الفكرة القومية في أوائل القرن العشرين مطلباً أساسياً روجت له النخبة العلمانية في العالم الإسلامي ، وكان نفوذ هذه النخبة يتعاظم مع تعاظم التفوق الغربي في المجال المادي وتراجع دولة الخلافة الإسلامية الدولة العثمانية ؛ إذ إن الفكرة المهيمنة على عقول النخبة المتغربة في هذا الوقت : إنه لكي نحقق الإصلاح والتقدم في العالم الإسلامي لا بد من انتهاج خط الغرب ، ونسي هؤلاء أن ما يصلح في مجتمع ويُنتج خيراً قد ينتج خبيثاً في مجتمع آخر ؛ لأنه لا يوجد مجتمع واحد وإنما مجتمعات ؛
ومن ثم فلكل مجتمع خط إصلاح مختلف ، وكما يقول « زين نور الدين زين » في كتابه الهام : ( نشوء القومية العربية ) : في الغرب كانت القومية السياسية جزءاً من حركة علمنة الحضارة المسيحية ، وأسفرت المعركة بين القومية والمسيحية عن انتصار القومية ، أما في الشرق العربي فالإسلام لا يزال عميق الجذور ؛ فلم تستطع الأفكار القومية أن تحدث ثغرة فيه ؛ بل استطاع الإسلام أن يقف في وجه
كل محاولة للعلمنة ، والمسيحيون القلائل وإلى جانبهم قلة قليلة من المسلمين ممن كانوا يحلمون بإنشاء دولة عربية علمانية تقوم على حدود جغرافية وطنية معينة لا على أساس ديني لم يلقَوْا تشجيعاً ولا تعضيداً من قِبَل غالبية سكان البلدان الإسلامية « .
بدأت الحركة القومية تعبيراً رومانسياً في أواخر القرن التاسع عشر عبر عنه أدباء ومفكرون مسيحيون من لبنان مثل » بطرس البستاني « و » أحمد فارس الشدياق « و » إبراهيم اليازجي « و » أديب إسحاق « و » شبلي شميل « وغيرهم ، وكانوا جميعاً مرتبطين بالإرساليات النصرانية الغربية ، وهؤلاء عملوا على إبراز تاريخ العرب قبل الإسلام وإثارة الشعور القومي العربي ، وهؤلاء هم الذين فَصَلوا في العصر الحديث بين العروبة والإسلام فتابعوا فعل الشعوبية في العصر العباسي الأول ، ويعترف » صليب كوراني « بذلك فيقول : » الأثر الأول للحضارة الغربية في الحياة العربية بعث القومية العربية ، وقيام الحركة الاستقلالية التي تشمل العالم العربي في الوقت الحاضر ، وكانت هذه الحركة نتيجة مباشرة للتعليم الغربي « .
ثم بدأت الحركة القومية العربية في طور العمل السياسي ممثلة في جمعية ( بيروت السرية ) التي كان طلبتها من خريجي الكلية البروتستانتية ، وكانوا كلهم نصارى ، ثم بدأ المسلمون ينضمون إليها .وبدأت الجمعيات السرية والعلنية القومية المطالبة بإصلاح الوضع في الدولة التركية مطالبة بحق العرب في الحصول على حقوق سياسية وثقافية في إطار الدولة التركية ؛ وكان التطرف القومي التركي الذي مثلته جمعية » الاتحاد والترقي الحاكمة « هو الذي أدى إلى ظهور تيار قومي عربي ؛ لكنه لم يكن مطالباً بتفكيك الدولة وكما يقول زين نور الدين زين : » إن فكرة الانفصال العربي عن الدولة العثمانية لم تظهر إلا في إطار التطرف القومي للاتحاد والترقي بعد عام 1909م « ، وإبَّان الحرب العالمية الأولى ، ومع انضمام تركيا إلى ألمانيا بدأت بريطانيا توظف رغبة العرب في الانفصال عن تركيا بقطع عهود على نفسها بإقامة خلافة عربية على رأسها الشريف حسين إذا هم ساعدوا الحلفاء في الحرب ، وبعد مساعدة العرب المخلصة للحلفاء وحربهم تركيا وكانوا سبب هزيمتها خدعتهم بريطانيا ، وقُسِّمت الدول العربية في الاتفاق المعروف باسم : ( سايكس بيكو ) .
في كل الفترات التي ظهرت فيها القومية قبل الحرب العالمية الأولى كان للنصارى وللأيدي الغربية ولسفارات الدول الأجنبية المعادية للدولة العثمانية دور في تحريك الحركات القومية بقصد تفتيت الدولة العثمانية ، ويلاحظ أن القومية في المشرق كانت ترفع راية العروبة حتى تقضي على الدولة العثمانية لصالح الإنجليز ؛ حيث كانت الدول المشرقية لا تزال ضمن الدولة العثمانية ؛ أما في مصر فإن الإنجليز شجَّعوا الدعوات الطائفية كالفرعونية والمصرية ، ولم يسمحوا للعروبة بالظهور ؛ لأنها ستكون ضد المصالح البريطانية .
القومية بعد الاستقلال :
الجامعة العربية هي صنع بريطانيا ؛ لأنها خشيت أن تقوم رابطة قوية للعرب تهدد مصالحها ؛ فعملت على إيجاد الجامعة العربية كياناً يحمل بذور فنائه في تكوينه وبنيته ، وفي عام 1948م ومع ظهور التحدي الصهيوني في فلسطين هُزمت الجيوش العربية مجتمعة ، وبدأ الوعي بأهمية وجود عالم عربي موحد ، لما هو مقرر دولياً من حق كل شعب في أن يكون له دولته السياسية التي تعبر عنه ، ومع بزوغ دولة ما بعد الاستعمار طرح الفكر القومي مشروع الوحدة العربية استناداً إلى وجود اللغة والتاريخ والمصير المشترك ، لكن الوحدة ( المصرية السورية ) عام
1958م انحلت عام 1961م ، ونشبت الخلافات بقوة بين حزب البعث العربي السوري وحزب البعث العربي العراقي ، وعقدت اتفاقيات للعمل العربي المشترك مثل معاهدة الدفاع العربي المشترك ، والتعاون الاقتصادي عام 1950م ، والوحدة الاقتصادية عام 1957م ، والاتفاقيات المنشئة للعديد من المنظمات العربية المتخصصة ، والاتفاقيات المنشئة للتجمعات الإقليمية الجزئية كمجلس التعاون
العربي ، والإنماء المغاربي ... إلخ .
ولم تستطع القومية العربية أن ترقى إلى مستوى التحديات المنوطة بأمتهافأخفقت في تحقيق الوحدة العربية ، كما أخفقت في تحقيق أي مستوى من مستويات التعاون الاقتصادي فلم تحقق التنمية ، كما لم تستطع أن تنجز مهمة التحرير والتحدي للهيمنة الغربية وربيبتها الكيان الصهيوني ، ولم تفلح كل محاولات الوحدة حتى الجزئية ، لكن النهاية الكارثية القومية كانت مع هزيمة يونيو 1967م ؛ حيث كانت الهزيمة مفاجأة للقوميين العرب ، كما كانت خاتمة أفول القومية العربية ، وبدأ الحديث عن وجود خلل في البنية الذاتية للمشروع القومي العربي ، وبدأت النزعة
القُطرية في التصاعد إلى حد أن الصراعات ( العربية العربية ) جعلت بعض الدول العربية تستجدي أمنها من دول غربية ، وكان الغزو العراقي للكويت عام 1990م قمة المأساة للقومية العربية وللنظام العربي الذي عرف كثيراً من الصراعات ؛ لكنها لم تصل إلى حد غزو دولة من دولة لأخرى . ولم يعد العرب قادرين حتى على اجتماع القمة بوصفها آلية لحل المشاكل المستعصية لهم ؛ لأن قرار هذا الاجتماع لم يعد بيدهم وإنما بيد أعدائهم .
تجاوز القومية :
بالطبع فإن الحركة القومية العربية كانت مقصودة من أعداء الأمة الإسلامية ببث الفكر القومي فيها لما للعرب من ثقل بالنسبة للإسلام ، ثم انتشرت هذه الفكرة كانتشار النار في الهشيم في كل البلدان الإسلامية . وفي الواقع فإن الفكرة القومية التي تؤسس للرابطة على أساس العرق تؤدي إلى ظهور أفكار طبقية أقل لشعوب داخلها مثل الفرعونية والقبطية والآشورية والفينيقية وغيرها من أفكار ذات طابع تجزيئي وطائفي ، ومع التحديات والهزائم التي واجهتها القومية باتخاذها حركة تستبعد الإسلام بدأ الحديث بين القوميين عن العلاقة بين العروبة والإسلام ، وبدأت مراجعات واسعة عند القوميين العرب ؛ حيث أصبح الإسلام بالنسبة لهم هو مادة العروبة التي لا يمكن أن تنفصل عنه ، وكما يقول جميل مطر في مقاله ( مستقبل العروبة ) : » لم تعد القومية قادرة بظروفها الراهنة وظروف السياسة والسياسيين في العالم العربي على ملء فراغ الفكر السياسي ؛ وهو الفراغ الذي تدور فيه النخب
السياسية والقوى الحاكمة العربية ، وتجر شعوب المنطقة بأسرها لتدور معها في هذا الفراغ المدمِّر « .
ويقول محمد حسنين هيكل : » على مدى خمسين عاماً كانت قضية تحريرفلسطين فكرة ملزمة للجميع ؛ فالأمَّة العربية سوف تشعر وكأنها كتلة رخوة تنجذب إلى بؤرتها بالمعتقدات الأساسية للدين ، وسوف يعود مزيد من الناس إلى الهوية الأصلية للمنطقة ؛ ليست هوية قومية ولا عروبية وإنما هوية إسلامية . إن الإسلام هو مركز الثقل في العالم العربي والإسلامي ، ولا يمكن لأي مشروع للنهضة أن
يتحقق بدونه ، وكما قال الشاعر الألماني ( غوته ) : « من كان عليه أن يرفع حملاً ثقيلاً فإنه ينبغي عليه أن يعرف مركز الثقل » ، ومركز الثقل في المجتمع العربي هو الإسلام « .
الخاتمة:
الدعوة إلى القومية هي دعوة إلى إبعاد الدين عن حياة المجتمع ، فيقولون ما معناه ( لا دخل للدين في تنظيم حياة المجتمع ) .
والقوميون أعداء للمسلمين عامة وللعرب خاصة ، لأنهم يدعون إلى التفرقة بين المسلمين ، فيجب أن
تكون الدعوة إلى وحدة إسلامية تحت راية القرآن والسنة ، هذا هو الذي به النصر والعز والفخر والسعادة في الدنيا والآخرة- 
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .

المراجع :
1 - محمد محمد حسين ، الإسلام والحضارة الغربية ، القاهرة ، دار
الفرقان ، د . ت .
2 - محمد محمد حسين ، الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر ، القاهرة ،
مكتبة الجماميز ، ج2 ، د . ت .
3 - زين نور الدين زين ، نشوء القومية العربية مع دراسة تاريخية في
العلاقات العربية التركية ، بيروت ، دار النهار ، 1979م .
4 - برهان غليون ، المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات ، القاهرة ، سينا
للنشر ، د . ت .
5 - أحمد يوسف أحمد ، مصر وتجديد المشروع القومي العربي ، رؤية ذاتية ،
بحث مقدم إلى المؤتمر السنوي العاشر للبحوث السياسية ، ديسمبر ، 1996م .
6 - أحمد ثابت ، تجديد المشروع القومي في الفكر المصري ، بحث مقدم إلى
المؤتمر السنوي العاشر للبحوث السياسية ، ديسمبر ، 1960م .

الشفاعة

بسم الله الرحمن الرحيم
الشفاعة
إعداد: محمد عثمان رفيق

الحمد لله رب العالمين والصلوة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد.
إن الشفاعة موضوع مهم في التفسير وباب العقيدة , ولذا قررت بكتابة تفسير موضوعي عن الشفاعة , وبحمد الله في هذا البحث جمعت آيات القرآن من تصنيف آيات القرآن الكريم / لمحمد محمود إسماعييل , و المعجم المفهرس لمعاني القرآن العظيم , والمعجم الميسر لألفاظ القرآن الكريم / اعداد الشيخ إبراهيم رمضان , والفهرس الموضوعي لآيات القرآن الكريم / اعداد محمد عوض العايدي , التي تتعلق بالشفاعة , ثم استثرت بالعناوين الفرعية للموضوع . كما أن هذا البحث معتمد من تفسير جلالين , وتفسير القرطبي وتفسير السعدي . وقد حاولت أن لا أترك شيئا من الموضوع , وسوف تجدون بإذن الله هذا البحث مراعيا لقواعد التفسير الموضوعي . و إليكم النقاط المهمة المذكورة في البحث كالآتي :
·       تعريف الشفاعة لغة و شرعا .
·       شروط الشفاعة.
·       أنواع الشفاعة .
·       و الموضوعات التي وضعت تحت الآيات .















الشفاعة لغة: هي السؤال في التجاوز عن الذنوب
اصطلاحا: سؤال الله الخير للناس في الآخرة، فهي نوع من أنواع الدعاء المستجاب
أن للشفاعة شروطا:
أ- فهي مقيدة بالإذن من الله سبحانه: قال تعالى: من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه
للحديث: ((فيحد لي حدا فأدخلهم الجنة).رواه البخاري .
ب- وأن تكون لمن رضي الله أن يشفع له قال تعالى: ولا يشفعون إلا لمن ارتضى [الأنبياء:28].
ولا يرتضي الله الشفاعة إلا لمن يستحقون عفوه سبحانه على مقتضى عدله عز وجل.
ج- والشفاعة لا تكون إلا لأهل التوحيد، فمن كان ولاؤه لغير الله ورسوله والمؤمنين فهو محروم، ومن كان من جند الباطل يسعى في نصرة مذهب هدام فهو محروم، ومن اعتقد أن غير منهج الله هو الأصلح للحياة فهو محروم، ومن سخر أو جحد أو أنكر من منهج الله فهو محروم.
للحديث: ((أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه أو نفسه) رواه البخاري
وأما أنواع الشفاعة:
   النوع الأول:  الشفاعة الأولى، وهي العظمى، الخاصة بنبينا من بين سائر إخوانه من الأنبياء والمرسلين، صلوات الله عليهم أجمعين، فقد رويت في الصحيحين،
وغيرهما عن جماعة من الصحابة، رضي الله عنهم أجمعين، أحاديث الشفاعة.
النوع الثاني:
الشفاعة لأهل الجنة حتى يدخلوها: للحديث: ((آتي باب الجنة يوم القيامة فاستفتح فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: محمد، فيقول: بك أمرت لا أفتح لأحد قبلك ) )رواه مسلم .
النوع الثالث: شفاعته لأهل الكفر وهذا خاص بعمه أبي طالب لمواقفه ودفاعه عن رسول الله : ((سأل العباس بن عبد المطلب رسول الله هل أنت نافع عمك بشيء فإنه (أي أبا طالب) كان يغضب لك ويحوطك؟،
فقال : نعم لقد نفعته، إنه في ضحضاح من النار (أي قليل منه) ينتعل نعلين من حرارتهما يغلي دماغه، وإنه لأهون أهل النار عذابا ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار.
رواه البخاري

الشفاعة لله وحده:
"وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ"   الأنعام(51)
"وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ "    الأنعام (70)
"اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ "    السجدة(4)
"قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ "   الزمر   (44)
 { لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ } أي: لا من دون الله { وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ } أي: من يتولى أمرهم فيحصّل لهم المطلوب، ويدفع عنهم المحذور، ولا من يشفع لهم، لأن الخلق كلهم، ليس لهم من الأمر شيء. { لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } الله، بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، فإن الإنذار موجب لذلك، وسبب من أسبابه.
{ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ } أي: قبل [أن] تحيط بها ذنوبها، ثم لا ينفعها أحد من الخلق، لا قريب ولا صديق، ولا يتولاها من دون الله أحد، ولا يشفع لها شافع { وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ } أي: تفتدي بكل فداء، ولو بملء الأرض ذهبا { لا يُؤْخَذْ مِنْهَا } أي: لا يقبل ولا يفيد. تفسير سعدي
لا تكون الشفاعة إلا بإذن الله:
"اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ "      البقرة (255)
"إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ"     يونس (3)
"يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا "  طه     (109
"ولَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ "     سبأ (23)
أخرج ما فيها من الخوف مجاهد : كشف عن قلوبهم الغطاء يوم القيامة أي إن الشفاعة لا تكون من أحد هؤلاء المعبودين من دون الله من الملائكة والأنبياء والأصنام إلا أن الله تعالى يأذن للأنبياء والملائكة في الشفاعة وهم على غاية الفزع من الله كما قال : { وهم من خشيته مشفقون } ( الأنبياء : 28 ) والمعنى : أنه إذا أذن لهم في الشفاعة وورد عليهم كلام الله فزعوا لما يقترن بتلك الحال من الأمر الهائل والخوف أن يقع في تنفيذ ما أذن لهم فيه تقصير فإذا سري عنهم قالوا للملائكة فوقهم وهم الذين يوردون عليهم الوحي بالإذن : { ماذا قال ربكم } أي ماذا أمر الله به فيقولون لهم : { قالوا الحق } وهو أنه أذن لكم في الشفاعة للمؤمنين. تفسيرقرطبي
    الشفاعة الحسنة تؤجر والسيئة تؤثم:
"مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا"   النساء(85
المراد بالشفاعة هنا: المعاونة على أمر من الأمور، فمن شفع غيره وقام معه على أمر من أمور الخير -ومنه الشفاعة للمظلومين لمن ظلمهم- كان له نصيب من شفاعته بحسب سعيه وعمله ونفعه، ولا ينقص من أجر الأصيل والمباشر شيء، ومَنْ عاون غيره على أمر من الشر كان عليه كفل من الإثم بحسب ما قام به وعاون عليه. ففي هذا الحث العظيم على التعاون على البر والتقوى، والزجر العظيم عن التعاون على الإثم والعدوان . تفسير سعدي
شفاعة الملائكة تخص بمن ارتضى الله:
"وكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى" (26) النجم
"يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ" (28) الأنبياء
يقول تعالى منكرا على من عبد غيره من الملائكة وغيرهم، وزعم أنها تنفعه وتشفع له عند الله يوم القيامة: { وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ } من الملائكة المقربين، وكرام الملائكة، { لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا } أي: لا تفيد من دعاها وتعلق بها ورجاها، { إِلا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى } أي: لا بد من اجتماع الشرطين: إذنه تعالى في الشفاعة، ورضاه عن المشفوع له. ومن المعلوم المتقرر، أنه لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا لوجه الله، موافقا فيه صاحبه الشريعة، فالمشركون إذا لا نصيب لهم من شفاعة الشافعين، وقد سدوا على أنفسهم رحمة أرحم الراحمين.  تفسير سعدي


شفاعة المؤمنين تخص بمن ارتضى الله:
"وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ" (86) الزخرف
عن مجاهد، قوله:( وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ ) قال: عيسى، وعُزير، والملائكة.
قوله:( إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ ) قال: كلمة الإخلاص، وهم يعلمون أن الله حقّ، وعيسى وعُزير والملائكة يقول: لا يشفع عيسى وعُزير والملائكة إلا من شهد بالحقّ، وهو يعلم الحقّ.
وقال آخرون: عني بذلك: ولا تملك الآلهة التي يدعوها المشركون ويعبدونها من دون الله الشفاعة إلا عيسى وعُزير وذووهما، والملائكة الذين شهدوا بالحقّ، فأقروا به وهم يعلمون حقيقة ما شهدوا به.
عن قتادة( وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) : الملائكة وعيسى وعُزير، قد عُبِدوا من دون الله ولهم شفاعة عند الله ومنزلة.
عن قتادة( إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ ) قال: الملائكة وعيسى ابن مريم وعُزير، فإن لهم عند الله شهادة.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر أنه لا يملك الذين يعبدهم المشركون من دون الله الشفاعة عنده لأحد، إلا من شهد.  تفسير قرطبي
ملكية شفاعة خاصة للمؤمنين:
"يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا (85) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا (86)و لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا "    (87) مريم
قال: عطاشا.
القول في تأويل قوله تعالى : { لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (87) }
يقول تعالى ذكره: لا يملك هؤلاء الكافرون بربهم يا محمد، يوم يحشر الله المتقين إليه وفدا الشفاعة، حين يشفع أهل الإيمان بعضهم لبعض عند الله، فيشفع بعضهم لبعض( إِلا مَنِ اتَّخَذَ مِنْهُمْ عِنْدَ الرَّحْمَنِ ) في الدنيا(عَهْدًا) بالإيمان به، وتصديق رسوله، والإقرار بما جاء به، والعمل بما أمر به. قرطبي
ليس للكافرين شفيعاً ويوم القيامة:
"هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ"      الأعراف(53)
" وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ "    غافر(18)
"قالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ" (96)" تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ "(97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ "(98) وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ" (99) "فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ" (100)" وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ" (101) الشعراء
يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ } أي: يوم القيامة التي قد أزفت وقربت، وآن الوصول إلى أهوالها وقلاقلها وزلازلها، { إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ } أي: قد ارتفعت وبقيت أفئدتهم هواء، ووصلت القلوب من الروع والكرب إلى الحناجر، شاخصة أبصارهم. { كَاظِمِينَ } لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا وكاظمين على ما في قلوبهم من الروع الشديد والمزعجات الهائلة.
{ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ } أي: قريب ولا صاحب، { وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ } لأن الشفعاء لا يشفعون في الظالم نفسه بالشرك، ولو قدرت شفاعتهم، فالله تعالى لا يرضى شفاعتهم، فلا يقبلها. تفسير سعدي
اعتقاد الكفار بأن آلهتهم الباطلة تكون شفيع لهم عند الله:
"وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ"     يونس(18)
"أمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ"    الزمر(43)  
{ وَيَقُولُونَ } قولا خاليا من البرهان: { هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ } أي: يعبدونهم ليقربوهم إلى الله، ويشفعوا لهم عنده، وهذا قول من تلقاء أنفسهم، وكلام ابتكروه هم، ولهذا قال تعالى -مبطلا لهذا القول-: { قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأرْضِ } أي: الله تعالى هو العالم، الذي أحاط علما بجميع ما في السماوات والأرض . تفسير سعدي
الشركاء لا يقدرون الشفاعة عند الله للمشركين:
"وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ (12) وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ" (13) الروم
وقوله:( وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ ) يقول تعالى ذكره:( وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ ) لم يكن لهؤلاء المجرمين الذين وصف جلّ ثناؤه صفتهم(مِن شُرَكَائِهِمْ) الذين كانوا يتبعونهم، على ما دعوهم إليه من الضلالة، فيشاركونهم في الكفر بالله، والمعاونة على أذى رسله،(شُفَعَاءُ) يشفعون لهم عند الله، فيستنقذوهم من عذابه،( وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ ) يقول: وكانوا بشركائهم في الضلالة والمعاونة في الدنيا على أولياء الله(كَافِرِينَ)، يجحدون ولايتهم، ويتبرّءون منهم . تفسير قرطبي
الشفاعة لا تنفع بحق الكفار والمشركين:
"َمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48) فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ" (49) المدثر
{ فما تنفعهم شفاعة الشافعين } من الملائكة والأنبياء والصالحين والمعنى لا شفاعة لهم. تفسير جلالين
عدم قبول الشفاعة:
"وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ" البقرة (48) البقرة
"إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" . المائدة36
{ ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل } هذا نفي للنفع الذي يطلب ممن يملكه بعوض، كالعدل، أو بغيره، كالشفاعة، فهذا يوجب للعبد أن ينقطع قلبه من التعلق بالمخلوقين، لعلمه أنهم لا يملكون له مثقال ذرة من النفع، وأن يعلقه بالله الذي يجلب المنافع، ويدفع المضار، فيعبده وحده لا شريك له ويستعينه على عبادته. تفسير قرطبي

الخاتمة :

إن الشفاعة أمر عظيم , والله تعالى هو أهل الشفاعة في الأصل , وسوف يأذن المؤمنين للشفاعة يوم القيامة وفبلهم سوف يؤذن نبينا محمد صلى الله عليه وسلمأول شخص يوم الحشر , فالشفاعة ليست وسيلة ولايحقها أحد في هذه الدنيا . والذين يزعمون الأموات والأصنام يشفعون لهم يوم القيامة , فهم في ضلال مبين ولهم عذاب جهنم- نعوذ بالله منها –
وأخيرا ليس أخيرا, أحمد الله أولا الذي وفقني بكتابة هذا البحث المفيد , ثو أشكر الدكتور أحمد العقيل / حفظه الله الذي أعطاني هذا الموضع وشجعني للكتابة .



 والله هو الموفق وصلى الله على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم


مخالفات العزاء

بسم الله الرحمن الرحيم

مخالفات العزاء
إعداد: محمد عثمان

المعنى اللغوي:
العزاء في لغة العرب: يقال تعزيتُ عنه: أي تصبرت، أصلها تعززت والاسم منه العزاء. 
والتعزي: التأسي والتصبر عند المصيبة، والعزاء الصبر عن كل ما فقدت وأن يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون(1).
قال ابن فارس (ت395هـ) ـ رحمه الله تعالى ـ: (أن يتأسى بغيره فيقول: حالي مثل حال فلان)(2).
المعنى الشرعي:
قال ابن مفلح (ت762هـ) ـ رحمه الله تعالى ـ: (هي التسلية والحث على الصبر بوعد الأجر، والدعاء للميت والمصاب)(3).
وقال المناوي(ت1029هـ) ـ رحمه الله تعالى ـ: (هي حمل ذوي الميت على الصبر وفضله، والابتلاء وأجره، والمصيبة وثوابها)(4).      
وقال الألباني (ت1420هـ) ـ رحمه الله تعالى ـ:( هي الحمل على الصبر بوعد الأجر، والدعاء للميت والمصاب)(1).
وقال وهبة الزحيلي:( هي أن يسلي أهل الميت، ويحملهم على الصبر بوعد الأجر، ويرغبهم في الرضا بالقضاء والقدر، ويدعو للميت المسلم)(2).
فيكون تعريف الشيخ وهبة الزحيلي أقرب لاشتماله على التسلية، والحث على الصبر، والرضا بالقدر، والدعاء للميت.

مشروعية التعزية:
إن لطيف التعزية عند فقد الأعزة مما يكشف المصيبة, ويذهب الهم ويزيل الغم، فإن الكلمة الطيبة للمصاب يثبت بها بإذن الله, ويغدو صبره عليها سهلاً يسيراً،
وفي التعزية ثواب عظيم، ومصالح جمة من أهمها: تخفيف المصيبة على المعزى، وتسليته عنها، وحضه على التزام الصبر واحتساب الأجر، والرضا بالقدر والتسليم لأمر الله، والدعاء بأن يعوض الله المصاب من مصابه جزيل الثواب، والدعاء للميت والترحم عليه والاستغفار له.
حكم التعزية:  مستحبة عند جميع الفقهاء، قبل الدفن أو بعده(1).
قال الإمام ابن عبد البرـ رحمه الله تعالى ـ:(وتستحب التعزية لأهل الميت)(3).
وقال الإمام النووي(ت676هـ) ـ رحمه الله تعالى ـ هي مستحبة .
والأدلة على استحباب التعزية الواردة عن النبي r كثيرة، ومنها ما جاء من حديث أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ قالت: دخل رسول الله r على أبي سلمة t وقد شق بصره فأغمضه ثم قال:"إن الروح إذا قبض تبعه البصر"، فضج ناس من أهله فقال:"لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير, فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون"، ثم قال:" اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين واخلفه في عقبه في الغابرين و اغفر لنا وله يا رب العالمين وافسح له في قبره ونوّر له فيه"(1).



(1) لسان اللسان تهذيب لسان العرب (2/171).
(2) معجم مقاييس اللغة (2/261) مادة عزوى وقال ابن فارس: العين والزين والحرف المعتل أصل صحيح يدل على الانتماء والاتصال.
(3) الفروع(2/229)، ونقله عنه حفيده أنظر المبدع (2/286).
(4) فيض القدير (3/320).
(1) أحكام الجنائز (ص:205) الحاشية.
(2) الفقه الإسلامي وأدلته(2/345).
(1) رد المحتار(3/140)، الكافي في فقه أهل المدينة المالكي(1/283)، المجموع(5/277)، المغني(3/485)، الفروع (2/228)، شرح الزركشي(2/350)، الإنصاف(2/395)، المبدع(2/286)، التعليقات الرضية على الروضة الندية لصديق حسن خان تعليق الألباني(1/480)، منار السبيل(1/248)، فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء(9/133-134).
(3) الكافي في فقه أهل المدينة المالكي(1/283).
(1) أخرجه الإمام أحمد (6/297)، وأخرجه مسلم في كتاب الجنائز باب ما يقال عند المصيبة(2/631برقم 918)، وأخرجه أبو داود في كتاب الجنائز: باب ما يستحب أن يقال عند الميت من الكلام(3/247برقم 3115)، وأخرجه ابن ماجه في كتاب الجنائز: باب ما جاء فيما يقال عند المريض إذا حُضر(1/465برقم 1447).

التأمين هو عقد مضاربة : تحليل و مناقشة

التأمين هو عقد مضاربة
تحليل و مناقشة


إعداد: عبدالصبور الندوي


قال ابن قدامة : والشرط في المضاربة على ضربين ؛ صحيح : مثل أن يشترط ألا يتجر إلا في نوع معين أو بلد معين ، أو لا يعامل إلا شخصا معينا ، وفاسد وهو على ضربين - أحدهما : أن يضاربه ولا يذكر الربح أو يشترط جزءا من الربح لأحدهما ولأجنبي ، والباقي بينهما ، أو يقول : خذه مضاربة والربح كله لك ، أو كله لي وما أشبه هذا مما يعود بجهالة الربح ، فإن المضاربة تفسد والربح كله لرب المال ، وللمضارب الأجر ، والثاني : أن يشترط عليه ضمان المال من الوديعة . فهل يبطل العقد بهذا على روايتين (1) .
وقال الشيخ مرعي بن يوسف : والمضارب أمين بالقبض وكيل بالتصرف ، شريك بالربح ، أجير بالفساد ، غاصب بالتعدي ، مقترض باشتراط كل الربح له ، مستبضع باشتراط كل الربح لرب المال (2) .
__________
(1) كتاب الهادي وعمدة الحازم 116 .
(2) غاية المنته 2 \ 171 .

وأما كلام العلماء المعاصرين :
فقال الشيخ الصديق محمد الأمين الضرير بعد ذكره لفتوى الشيخ محمد عبده :
ثم جاء بعد الشيخ محمد عبده الأستاذ عبد الوهاب خلاف ، وقال بجواز عقد التأمين على الحياة وأنه عقد مضاربة ؛ لأن عقد المضاربة في الشريعة هو عقد شركة في الربح بمال من طرف وعمل من طرف آخر ، وفي التأمين المال من جانب المشتركين الذين يدفعون الأقساط والعمل من جانب الشركة التي تستغل هذه الأموال ، والربح للمشتركين وللشركة حسب التعاقد وقد أورد الأستاذ خلاف نفسه على هذا القياس اعتراضا هو أن شرط صحة المضاربة أن يكون الربح بين صاحب المال والقائم بالعمل شائعا بالنسبة ، وفي التأمين يشترط للمشترك قدر معين في الربح = 3 % أو 4 % فالمضاربة غير صحيحة .
وأجاب عنه : أولا بما جاء في تفسير آيات الربا في سورة البقرة للشيخ محمد عبده وهو : لا يدخل في الربا المحرم بالنص الذي لا شك في تحريمه من يعطي آخر مالا يستغله ويجعل له من كسبه حظا معينا ؛ لأن مخالفة أقوال الفقهاء في اشتراط أن يكون نسبيا لاقتضاء المصلحة ذلك لا شيء فيه وهذه المعاملة نافعة لرب المال والعامل معا . . .
ثانيا : بأن اشتراط أن يكون الربح نصيبا لا قدرا معينا خالف فيه بعض المجتهدين من الفقهاء وليس حكما مجمعا عليه (1) .
__________
(1) أسبوع الفقه الإسلامي 454 .
(2)  مناقشة هذا الدليل :
(3)  قال الشيخ محمد بخيت المطيعي : ولا يجوز أن يكون العقد المذكور - أي عقد التأمين- عقد مضاربة كما فهمه بعض العصريين ؛ لأن عقد المضاربة يلزم أن يكون المال من جانب المالك والعمل من المضارب والربح على ما اشترطاه والعقد المذكور ليس كذلك ؛ لأن أهل القومبانية " الشركة " يأخذون المال على أن يكون لهم يعملون فيه لأنفسهم فيكون عقدا فاسدا شرعا ؛ لأنه معلق على خطر ؛ تارة يقع وتارة لا يقع فهو قمار معنى (1) .
(4)  وقال الأستاذ محمد كامل البناء : إن هناك فرقا واضحا يتعذر معه قياس عقد التأمين على المضاربة وهو أن رب المال يتحمل الخسارة وحده وليس الأمر كذلك في التأمين ، كما أنه لو مات رب المال في المضاربة فليس لورثته إلا ما دفعه مورثهم لا يزيد شيئا ، أما في التأمين فإنه لو مات المؤمن استحق صاحب منفعة التأمين مبلغا ضخما وهذه مخاطرة ينهى عنها الشارع ؛ لأن ذلك لا ضابط له إلا الحظوظ والمصادفات (2) .
(5)  وقال الأستاذ الدكتور مصطفى زيد : الواقع أن عقد التأمين كان يمكن أن يكون من عقود المضاربة لولا أمران : أولهما أن طبيعة المضاربة تقتضي الاشتراك في الربح أو الخسارة ، وليس في طبيعة عقد التأمين أي تعرض للخسارة ، والثاني أنه من شروط المضاربة أن يكون الربح نسبيا غير محدد (3) .
(6) __________
(7) (1) أسبوع الفقه الإسلامي 430 .
(8) (2) التأمين وموقف الشريعة الإسلامية منه 79 .
(9)  (3) التأمين وموقف الشريعة الإسلامية منه 79 .
                    وقال الصديق محمد الأمين الضرير : والذي أراه أنه ليست هناك صورة من صور عقد التأمين يمكن قياسها على عقد المضاربة ، حتى لو تجاوزنا عن كون الربح في المضاربة يشترط فيه أن يكون قدرا شائعا بالنسبة ، وذلك للأسباب الآتية :
                   1 - المبلغ الذي يدفعه رب المال للعامل في المضاربة يظل ملكا لصاحبه ولا يدخل في ملك العامل ، وذلك بخلاف التأمين فإن القسط يدخل في ملك الشركة تتصرف فيه تصرف المالك في ملكه .
                    2 - في حالة موت رب المال في عقد المضاربة يستحق ورثته المال الذي دفعه مع ربحه إن كان ، أما في عقد التأمين على الحياة فإن الورثة يستحقون عند موت المؤمن له المبلغ الذي اتفق عليه من الشركة بالغا ما بلغ ، فلو أن شخصا أمن على حياته بمبلغ ألف جنيه ، ثم مات بعد أن دفع مبلغ مائة جنيه فقط للشركة فإن ورثته يستحقون الألف كاملة ، فكيف يقاس هذا العقد على عقد المضاربة ولا يصح أن يقال : إن الشركة تتبرع بالزائد على ما دفعه المؤمن له ؛ لأن من خصائص عقد التأمين أنه عقد معاوضة وهو عقد ملزم للطرفين ، فالشركة ملزمة بدفع المبلغ المتفق عليه إذا وفى المؤمن له بالتزامه في دفع الأقساط .
                     3 - في حال موت صاحب المال في عقد المضاربة يكون المبلغ الذي في يد المضارب " العامل " في ضمن تركة المتوفى يجري فيه ما يجري في سائر أموال التركة ، أما في عقد التأمين فإن المال المستحق لا يذهب للورثة مطلقا ، وذلك في حالة ما إذا عين المؤمن له مستفيدا- وهذا من حقه- فإن جميع المال يذهب لهذا المستفيد ولو لم يكن للمتوفى مال غيره ولا حق لورثته في الاعتراض (1) .
                    __________
                    (1) أسبوع الفقه الإسلامي 455 .