التأمين هو عقد مضاربة
تحليل و مناقشة
إعداد: عبدالصبور الندوي
قال ابن قدامة : والشرط في المضاربة على ضربين ؛ صحيح : مثل أن يشترط ألا يتجر إلا في نوع معين أو بلد معين ، أو لا يعامل إلا شخصا معينا ، وفاسد وهو على ضربين - أحدهما : أن يضاربه ولا يذكر الربح أو يشترط جزءا من الربح لأحدهما ولأجنبي ، والباقي بينهما ، أو يقول : خذه مضاربة والربح كله لك ، أو كله لي وما أشبه هذا مما يعود بجهالة الربح ، فإن المضاربة تفسد والربح كله لرب المال ، وللمضارب الأجر ، والثاني : أن يشترط عليه ضمان المال من الوديعة . فهل يبطل العقد بهذا على روايتين (1) .
وقال الشيخ مرعي بن يوسف : والمضارب أمين بالقبض وكيل بالتصرف ، شريك بالربح ، أجير بالفساد ، غاصب بالتعدي ، مقترض باشتراط كل الربح له ، مستبضع باشتراط كل الربح لرب المال (2) .
__________
(1) كتاب الهادي وعمدة الحازم 116 .
(2) غاية المنته 2 \ 171 .
وأما كلام العلماء المعاصرين :
فقال الشيخ الصديق محمد الأمين الضرير بعد ذكره لفتوى الشيخ محمد عبده :
ثم جاء بعد الشيخ محمد عبده الأستاذ عبد الوهاب خلاف ، وقال بجواز عقد التأمين على الحياة وأنه عقد مضاربة ؛ لأن عقد المضاربة في الشريعة هو عقد شركة في الربح بمال من طرف وعمل من طرف آخر ، وفي التأمين المال من جانب المشتركين الذين يدفعون الأقساط والعمل من جانب الشركة التي تستغل هذه الأموال ، والربح للمشتركين وللشركة حسب التعاقد وقد أورد الأستاذ خلاف نفسه على هذا القياس اعتراضا هو أن شرط صحة المضاربة أن يكون الربح بين صاحب المال والقائم بالعمل شائعا بالنسبة ، وفي التأمين يشترط للمشترك قدر معين في الربح = 3 % أو 4 % فالمضاربة غير صحيحة .
وأجاب عنه : أولا بما جاء في تفسير آيات الربا في سورة البقرة للشيخ محمد عبده وهو : لا يدخل في الربا المحرم بالنص الذي لا شك في تحريمه من يعطي آخر مالا يستغله ويجعل له من كسبه حظا معينا ؛ لأن مخالفة أقوال الفقهاء في اشتراط أن يكون نسبيا لاقتضاء المصلحة ذلك لا شيء فيه وهذه المعاملة نافعة لرب المال والعامل معا . . .
ثانيا : بأن اشتراط أن يكون الربح نصيبا لا قدرا معينا خالف فيه بعض المجتهدين من الفقهاء وليس حكما مجمعا عليه (1) .
__________
(1) أسبوع الفقه الإسلامي 454 .
(2) مناقشة هذا الدليل :
(3) قال الشيخ محمد بخيت المطيعي : ولا يجوز أن يكون العقد المذكور - أي عقد التأمين- عقد مضاربة كما فهمه بعض العصريين ؛ لأن عقد المضاربة يلزم أن يكون المال من جانب المالك والعمل من المضارب والربح على ما اشترطاه والعقد المذكور ليس كذلك ؛ لأن أهل القومبانية " الشركة " يأخذون المال على أن يكون لهم يعملون فيه لأنفسهم فيكون عقدا فاسدا شرعا ؛ لأنه معلق على خطر ؛ تارة يقع وتارة لا يقع فهو قمار معنى (1) .
(4) وقال الأستاذ محمد كامل البناء : إن هناك فرقا واضحا يتعذر معه قياس عقد التأمين على المضاربة وهو أن رب المال يتحمل الخسارة وحده وليس الأمر كذلك في التأمين ، كما أنه لو مات رب المال في المضاربة فليس لورثته إلا ما دفعه مورثهم لا يزيد شيئا ، أما في التأمين فإنه لو مات المؤمن استحق صاحب منفعة التأمين مبلغا ضخما وهذه مخاطرة ينهى عنها الشارع ؛ لأن ذلك لا ضابط له إلا الحظوظ والمصادفات (2) .
(5) وقال الأستاذ الدكتور مصطفى زيد : الواقع أن عقد التأمين كان يمكن أن يكون من عقود المضاربة لولا أمران : أولهما أن طبيعة المضاربة تقتضي الاشتراك في الربح أو الخسارة ، وليس في طبيعة عقد التأمين أي تعرض للخسارة ، والثاني أنه من شروط المضاربة أن يكون الربح نسبيا غير محدد (3) .
(6) __________
(7) (1) أسبوع الفقه الإسلامي 430 .
(8) (2) التأمين وموقف الشريعة الإسلامية منه 79 .
(9) (3) التأمين وموقف الشريعة الإسلامية منه 79 .
وقال الصديق محمد الأمين الضرير : والذي أراه أنه ليست هناك صورة من صور عقد التأمين يمكن قياسها على عقد المضاربة ، حتى لو تجاوزنا عن كون الربح في المضاربة يشترط فيه أن يكون قدرا شائعا بالنسبة ، وذلك للأسباب الآتية :
1 - المبلغ الذي يدفعه رب المال للعامل في المضاربة يظل ملكا لصاحبه ولا يدخل في ملك العامل ، وذلك بخلاف التأمين فإن القسط يدخل في ملك الشركة تتصرف فيه تصرف المالك في ملكه .
2 - في حالة موت رب المال في عقد المضاربة يستحق ورثته المال الذي دفعه مع ربحه إن كان ، أما في عقد التأمين على الحياة فإن الورثة يستحقون عند موت المؤمن له المبلغ الذي اتفق عليه من الشركة بالغا ما بلغ ، فلو أن شخصا أمن على حياته بمبلغ ألف جنيه ، ثم مات بعد أن دفع مبلغ مائة جنيه فقط للشركة فإن ورثته يستحقون الألف كاملة ، فكيف يقاس هذا العقد على عقد المضاربة ولا يصح أن يقال : إن الشركة تتبرع بالزائد على ما دفعه المؤمن له ؛ لأن من خصائص عقد التأمين أنه عقد معاوضة وهو عقد ملزم للطرفين ، فالشركة ملزمة بدفع المبلغ المتفق عليه إذا وفى المؤمن له بالتزامه في دفع الأقساط .
3 - في حال موت صاحب المال في عقد المضاربة يكون المبلغ الذي في يد المضارب " العامل " في ضمن تركة المتوفى يجري فيه ما يجري في سائر أموال التركة ، أما في عقد التأمين فإن المال المستحق لا يذهب للورثة مطلقا ، وذلك في حالة ما إذا عين المؤمن له مستفيدا- وهذا من حقه- فإن جميع المال يذهب لهذا المستفيد ولو لم يكن للمتوفى مال غيره ولا حق لورثته في الاعتراض (1) .
__________
(1) أسبوع الفقه الإسلامي 455 .
No comments:
Post a Comment