Tuesday, 22 May 2012

تراجم بعض الفقهاء باختصار

تراجم بعض الفقهاء باختصار
ابن سلمون
(669 - 741 هـ = 1271 - 1340 م)
عبد الله بن علي بن عبد الله بن علي،ابن سلمون الكناني، أبو محمد:
فاضل أندلسي. ولد بغرناطة، وقرأ بها وبمالقة وبسبتة.
وتصوف بفاس. توفي في وقعة طريف. له " الشافي في تحرير ما وقع من الخلاف بين التبصرة والكافي " في فروع المالكيه و " الوثائق - خ " في الصادقية، كان المعول عليها في الأندلس والمغرب وتونس و " العقد المنظم للحكام - خ " في تمگروت (الأعلام للزركلي 4/106)
ابن الحاج
(458 - 529 هـ = 1066 - 1134 م)
محمد بن أحمد بن خلف التجيبي، المعروف بابن الحاج: قاضي قرطبة، كانت الفتيا في وقته تدور عليه، واستمر في القضاء إلى أن قتل ظلما بجامع قرطبة، وهو ساجد. له كتاب في " نوازل الاحكام " تداوله الناس زمنا بعده (5/317)
ابن رشد
(450 - 520 هـ = 1058 - 1126 م)
محمد بن أحمد ابن رشد، أبو الوليد: قاضي الجماعة بقرطبة. من أعيان المالكية. وهو جد ابن رشد الفيلسوف (محمد بن أحمد) الآتي.
[[محمد بن أحمد ابن رشد، أبو الوليد عن مخطوطة الجزء الخامس من كتابه " المقدمات الممهدات " في مكتبة " القيروان " أطلعني السيد إبراهيم شبوح القيرواني على ورقتها الاولى وهي مكتوبة علي الرق.]]
له تآليف، منها " المقدمات الممهدات - ط " في الاحكام الشرعية، و " البيان والتحصيل - خ " (*) فقه، و " مختصر شرح معاني الآثار للطحاوي - خ " و " الفتاوي - خ " و " اختصار المبسوطة " و " المسائل - خ " مجموعة من فتاويه، في معهد المخطوطات. مولده ووفاته بقرطبة
ابن سهل
أبو العلاء صاعد بن محمد بن الحسين بن علي بن أحمد (1 / 338) ابن سهل الواعظ السهلوي السرخسي من أهل سرخس.
وهو أكبر الأخوة الثلاثة، كان إماماً فاضلاً، من بيت العلم والورع، واعظاً. سمع بمرو أبا الخير محمد بن موسى بن عبد الله الصفار، وبسرخس السيد أبا الحسن محمد بن محمد بن زيد الحسيني الحافظ، وبنيسابور أبا الحسن علي بن أحمد المديني، وغيرهم. كتبت عنه بسرخس. وكانت ولادته في صفر سنة تسع وخمسين وأربعمئة بسرخس ومات بها يوم السبت الرابع والعشرين من ذي القعدة سنة تسع وثلاثين وخمسمئة (1 / 339)
ابن القاسم
(132 - 191 هـ = 750 - 806 م)
عبد الرحمن بن القاسم بن خالد بن جنادة العتقي المصري، أبو عبد الله، ويعرف بابن القاسم: فقيه، جمع بين الزهد والعلم. وتفقه بالإمام مالك ونظرائه. مولده ووفاته بمصر. له (المدونة - ط) ستة عشر جزءا، وهي من أجل كتب المالكية، رواها عن الإمام مالك ( الأعلام للزركلي3/323)
ابن أبي زيد
أبو جعفر محمد بن عبد العزيز بن علي بن بادار القزويني ثم الطوسي المعروف بابن أبي زيد من أهل نيسابور.
كان يلابس أمور العسكر ثم ترك ذلك واشتغل بنفسه وبما يعنيه. سمع شيخنا أبا بكر عبد الغفار بن محمد الشيروي الجنابذي، وسمع معنا من شيوخنا. سمعت منه بنيسابور شيئاً يسيراً، وهو زوج كوهرناز بنت زاهر بن طاهر الشحامي، وسمعت منها أيضاً. وكانت ولادته في (2 / 202) رجب سنة ثمان وستين وأربعمئة بنيسابور. وتوفي بها في اليوم التاسع من المحرم سنة اثنتين وستين وخمسمئة.(2/199)

سيرة الإمام البخاري رحمه الله تعالى

سيرة
الإمام البخاري رحمه الله تعالى


نسبه و مولده : هو إمام الأمة أبو عبدالله محمد بن اسماعيل بن ابراهيم بن بَردِزبَة الجعفي البخاري أصله فارسي .. فقد كان جده المغيرة مولى لليمان البخاري والي بخارى .. فانتسب إليه بعد إسلامه
ولد ببخارى سنة 194 هـ ونشأ يتيما و أخذ يحفظ الحديث وهو دون العاشرة رحــلاتــه في طـلـب الـعلـم
رحل شيخنا في طلب العلم إلى الشام و مصر و الجزيرة و العراق ..
 وأقام في الحجاز ستة أعوام يأخذ الحديث عن أربابه .. وتلقى عنه الناس الحديث ولم يبلغ الثامنة عشرة من عمره .. سمع من نحو ألف شيخ وأخذ الحديث عنهم ..
لا يسمع بشيخ في الحديث إلا رحل إليه وسأل عنه وأخذ عنه علمه قال عن نفسه مبينا رحلاته إلى الأمصار الإسلامية (( دخلت الشام و مصر و الجزيرة مرتين وإلى البصرة أربع مرات و أقمت بالحجاز ستة أعوام ولا أحصي كم دخلت إلى الكوفة و بغداد مع المحدثين )) …
 وجمع من الحديث أكثر من ستمائة ألف حديث .
 حـــيـــاتـــه
 كان رحمه الله تعالى شديد الورع و التقوى .. قليل الأكل لا ينام من الليل إلا أقله و كان مجدا في تحصيل العلم وتأليف الكتب فيه ..
 يقوم من الليل ثماني عشرة مرة أو أكثر يسرج المصباح ويتذكر الأحاديث فيكتبها و يدقق البعض الآخر فيعلم عليها لم يكن له هم سوى الحديث النبوي .. كان شغله الشاغل ليله و نهاره .. كثير الإحسان إلى الطلبة رفيقا بهم , مهذب العبارة حتى مع المخالفين له ..
 ولم يطلق لسانه في الساقطين متروكي الحديث .. فإذا أراد جرح راوٍ قال : فيه نظر أو سكتوا عنه وكان ينقل رأي النقاد في رواة الحديث ..
 كتب الله له القبول في قلوب العلماء .. قال محمود بن النضر سهل الشافعي (( دخلت البصرة و الشام و الحجاز و الكوفة و رأيت علمائها .. كلما جرى ذكر محمد بن اسماعيل البخاري فضلوه على أنفسهم )) كان آيــة في الحفظ والذكاء و الإتـقان ..
كأن الله سبحانه قد اختاره لحراسة و حفظ الحديث النبوي …
 وقد جرت له في بغداد حادثة مشهورة تشهد له بذلك .. تداولها علماء التاريخ و الحديث في كتبهم … ذلك أن علماء بغداد أرادوا اختبار حفظه و ذكائه و إتقانه , فجاء أصحاب الحديث بمائة حديث فقلبوا متونها و أسانيدها .. ودفعوها إلى عشرة رجال .. إلى كل رجل عشرة أحاديث .. وأمروهم إذا حضروا الإجتماع يلقون هذه الأحاديث المقلوبة على البخاري فلما اجتمعوا كلهم مع حشد من الناس انتدب إليه رجل من العشرة فسأله عن حديث فقال لا أعرفه , فما زال يلقي عليه حديثا بعد آخر حتى فرغ من عشرته .. وهكذا حتى فرغوا من الأحاديث المائة المقلوبة ..
والبخاري لا يزيدهم على (( لا أعرفه )) .. فاستغرب الناس كيف لا يعرف الأحاديث كلها .. فلما علم أنهم فرغوا التفت إلى الأول منهم فقال : أما حديثك الأول فهو كذا .. وحديثك الثاني فهو كذا و هكذا إلى آخر الأحاديث المائة فرد كل متن إلى إسناده وكل إسناد إلى متنه .. فأقر له الناس بالحفظ و أذعنوا له بالفضل يقول الحافظ بن حجر رحمه الله عن هذه الحادثة : ليس العجب من رده الخطأ إلى الصواب فإنه كان حافظا .. بل العجب من حفظه الخطأ على ترتيب ماألقوه عليه من مرة واحدة شهد له العلماء بالفضل و العلم ..
قال شيخ البخاري محمد بن بشار الحافظ (( حفاظ الدنيا أربعة : أبو زرعة بالري , ومسلم بن الحجاج بنيسابور , وعبدالله بن عبدالرحمن الدرامي بسمرقند , ومحمد بن اسماعيل ببخارى ))
وقال عنه الإمام الترمذي (( لم أر بالعراق ولا بخراسان في معنى العلل و التاريخ و معرفة الأسانيد أحدا أعلم من محمد بن اسماعيل )) أشــهـر كـتـبـه كان كتاب (( الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله وسننه وأيامه )) .. أشهر كتبه على الإطلاق ..
 وهو أصح كتاب بعد كتاب الله سبحانه وتعالى ..
 وهو أول من جمع الأحاديث الصحيحة مجردة عن غيرها .. ولكنه لم يستوعب كل الصحيح .. فقد ترك من الحديث الصحيح أكثر مما أثبته لئلا يطول الكتاب .
ابتدأ تأليفه بالحرم النبوي الشريف ولبث في تصنيفه ست عشرة سنة و أتمه ببخارى .. وماكان يضع حديثا إلا بعد أن يغتسل و يصلي ركعتين ويستخير الله في وضعه ..
 فقد قال (( ماأدخلت في الصحيح حديثا إلا بعد أن استخرت الله و تيقنت صحته )) ومما ألف أيضا كتاب (( التاريخ الكبير )) جمع فيه أسامي من روى عنه الحديث من زمن الصحابة إلى زمنه .. وله أيضا (( التاريخ الأوسط )) و (( التاريخ الصغير )) و (( الأدب المفرد )) و (( الكنى )) و (( الوحدان )) و (( الضعفاء )) وفــــــاتــــه توفي ليلة السبت بعد صلاة العشاء , وكانت ليلة عيد الفطر , ودفن يوم الفطر ..
بعد صلاة الظهر سنة ست وخمسين ومائتين 256 هـ بخَرتَنك وهي قرية بالقرب من بخارى وهي القرية التي ولد فيها رحمه الله تعالى فقد خدم السنة النبوية , ووقف حياته لها , وخلف تراث الأمة الإسلامية ..
 أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى : صحيح البخاري ..
 فجزاه الله عن الأمة خير الجزا مر البخاري رحمه الله بمحنتين محنته مع أهل نيسابور قال الحاكم في تاريخه: قدم الإمام البخاري نيسابور سنة 250 ، فأقام بها مدة يحدث على الدوام، قال فسمعت محمد بن حامد البزار يقول: سمعت الحسن بن محمد بن جابر يقول: سمعت محمد بن يحيى الذهلي يقول: اذهبوا الى هذا الرجل فاسمعوا منه، قال: فذهب الناس إليه فأقبلوا على السماع منه حتى ظهر الخلل في مجلس محمد بن يحيى،
 قال: فَتُكُلِّمَ فيه بعد ذلك قال أحمد بن عدي: ذكر لي جماعة من المشايخ، أن محمد بن اسماعيل لما ورد نيسابور واجتمع الناس عنده حسده بعض شيوخ الوقت، فقال لأصحاب الحديث: إن محمد بن اسماعيل يقول: لفظي بالقرآن مخلوق. فلما حضر المجلس قام إليه رجل
 فقال: يا أبا عبد الله ما تقول في اللفظ بالقرآن مخلوق هو أو غير مخلوق؟ فأعرض عنه البخاري ولم يجبه ثلاثا، فألح عليه، فقال البخاري: القرآن كلام الله غير مخلوق، وأفعال العباد مخلوقة، و الامتحان بدعة، فشغب الرجل
و قال: قد قال: لفظي بالقرآن مخلوق و قال أبو حامد الشرقي: سمعت محمد بن يحيى الذهلي يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق و من زعم لفظي بالقرآن مخلوق فهو مبتدع، و لا يجالس و لا يكلم، ومن ذهب بعد هذا الى محمد بن اسماعيل البخاري
فاتهموه فإنه لا يحضر الى مجلسه إلا من كان على مذهبه وقال الحاكم: ولما وقع بين البخاري وبين الذهلي في مسألة اللفظ، انقطع الناس عن البخاري إلا مسلم بن الحجاج و أحمد بن سلمة قال أبو عمر أحمد بن نصر النيسابوري يوما للبخاري: يا أبا عبد الله ههنا من يحكي عنك أنك تقول: لفظي بالقرآن مخلوق.
 فقال: يا أبا عمرو احفظ عني من زعم من أهل نيسابور، وسمى غيرها من البلدان بلادا كثيرة، أنني قلت: لفظي بالقرآن مخلوق فهو كذاب فإنني لم أقله إلا أني قلت أفعال العباد مخلوقة محنته مع أمير بخارى قال أحمد بن منصور الشيرازي: لما رجع عبد الله البخاري الى بخارى نصبت له قباب على فرسخ البلد، واستقبله عامة أهل البلد، حتى لم يبق مذكور، ونثر عليه الدراهم و الدنانير، فبقي مدة ثم وقع بينه وبين الأمير فأمره بالخروج من بخارى، فخرج الى بيكند
و قال الحاكم: سمعت محمد بن العباس الضبي يقول: سمعت أبا بكر بن أبي عمرو يقول: كان سبب مفارقة أبي عبد الله البخاري البلد، أن خالد بن طاهر سأله أن يحضر منزله فيقرأ التاريخ و الجامع على أولاده، فامتنع من ذلك.
وقال: لا يس عني أن أخص بالسماع قوما دون قوما آخرين فاستعان خالد بحريث ابن أبي الورقاء و غيره من أهل بخارى حتى تكلموا في مذهبه، فنفاه عن البلد المرجع : كتاب (( معالم السنة النبوية )) للدكتور عبدالرحمن عتر رحمه الله تعالى

سيرة الإمام مسلم

سيرة الإمام مسلم
صاحب ثاني أعظم كتاب في صحيح الحديث النبوي

نسبه:
هو الإمام أبو الحسن مسلم بن الحجاج بنمسلم القشيري نسبا النيسابوري وطنا، قال ابن الأثير في اللباب في تهذيب الأنساب: القشيري بضم القاف وفتح الشين وسكون الياء تحتها نقطتان وفي آخرها راء، هذه النسبةإلى قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة قبيلة كبيرة ينسب إليها كثير من العلماءفذكر جماعة من هؤلاء ومنهم الإمام مسلم.

ونسبة الإمام مسلم هذه نسبة أصلبخلاف الإمام البخاري فإن نسبته إلى الجعفيين نسبة ولاء ولهذا لما ذكر الإمام أبوعمر بن الصلاح في كتابه علوم الحديث أن أول من ألف في الصحيح الإمام البخاري ثمالإمام مسلم قال: "أول من صنف الصحيح البخاري أبو عبد الله محمد بن إسماعيل الجعفيمولاهم وتلاه أبو الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري القشيري منأنفسهم".

ولادته: 
ولد الإمام مسلم سنة 204هـ كما في خلاصة تهذيبالكمال للخزرجي وتهذيب التهذيب وتقريبه للحافظ ابن حجر العسقلاني، وكذا في البدايةوالنهاية لابن كثير، قال بعد أن ذكر وفاته سنة إحدى وستين ومائتين: وكان مولده فيالسنة التي توفي فيها الشافعي وهي سنة أربع ومائتين فكان عمره سبعا وخمسين سنة رحمهالله تعالى، ونقل ابن خلكان في كتابه وفيات الأعيان عن كتاب (علماء الأمصار) لأبيعبد الله النيسابوري الحاكم أن مسلما توفي بنيسابور لخمس بقين من شهر رجب الفرد سنةإحدى وستين ومائتين وهو ابن خمسة وخمسين سنة ثم قال: فتكون ولادته في سنة ستومائتين.

رحلته في طلب العلم وسماعه الحديث:
بدأ سماع الحديث سنة ثمانيعشرة ومائتين كما في تذكرة الحفاظ للذهبي، وقد رحل لطلبه إلى العراق والحجاز والشامومصر، وروى عن جماعة كثيرين أذكر فيما يلي عشرة من الذين أكثر من السماع منهموالرواية عنهم في صحيحه مع بيان عدد ما رواه عن كل منهم كما نقل ذلك الحافظ ابن حجرفي تراجمهم في كتابه تهذيب التهذيب:
1-
أبو بكر ابن أبي شيبة: 1540 حديثا.
2-
أبو خيثمة زهير بن حرب: 1281 حديثا.
3-
محمد بن المثني الملقب الزمن: 772 حديثا.
4-
قتيبة بن سعيد: 668 حديثا.
5-
محمد بن عبد الله بن نمير: 573 حديثا.
6-
أبو كريب محمد بن العلاء ابن كريب: 556 حديثا.
7-
محمد بن بشارالملقب بندارا:460 حديثا.
8-
محمد بن رافع النيسابوري: 362 حديثا.
9-
محمد بن حاتم الملقب السمين:300 حديثا.
10-
علي بن حجر السعدي: 188 حديثا.
وهؤلاء العشرة من شيوخ مسلم روى البخاري في صحيحه مباشرة عن تسعةمنهم فهم جميعا من شيوخ الشيخين معا إلا محمد بن حاتم فلم يرو عنه البخاري في صحيحهلا بواسطة ولا بغيرها، وقد قال الإمام أبو عمرو بن الصلاح في كتابه علوم الحديث: ومسلم مع أنه أخذ عن البخاري واستفاد منه فإنه يشارك البخاري في كثير منشيوخه.

تلمذته على الإمام البخاري:
يعتبر الإمام البخاري من شيوخ مسلمالبارزين الذين لهم دور كبير في إفادته وتمكنِّه في معرفة الحديث النبوي والتثبت فينقل الصحيح. قال الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي في ترجمة الإمام مسلم في كتابهتاريخ بغداد، قلت: "إنما قفا مسلم طريق البخاري ونظر في علمه وحذا حذوه، ولما وردالبخاري نيسابور في آخر أمره لازمه مسلم وداوم الاختلاف إليه"، وقال الحافظ ابن حجرفي شرحه لنخبة الفكر في معرض ترجيح صحيح البخاري على صحيح مسلم: "هذا على اتفاقالعلماء على أن البخاري كان أجل من مسلم وأعرف بصناعة الحديث منه وإن مسلما تلميذهوخريجه ولم يزل يستفيد منه ويتبع آثاره حتى قال الدارقطني: "لولا البخاري لما راحمسلم ولا جاء"". انتهى. 
ومع كون الإمام مسلم تتلمذ على الإمام البخاري ولازمهواستفاد منه لم يرو عنه في صحيحه شيئا ويبدو والله تعالى أعلم أن مسلما رحمه اللهفعل ذلك لأمرين:

الأول: الرغبة في علو الإسناد وذلك أن مسلما شارك البخاريفي كثير من شيوخه فلو روى عنه ما رواه عنهم لطال السند بزيادة راو لكنَّه رغبة منهفي علوِّ الإسناد وقربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم روى مباشرة عن هؤلاءالشيوخ تلك الأحاديث التي رواها البخاري عنهم.

الثاني: أن الإمام مسلما رحمهالله ساءه ما حصل من بعض العلماء من مزج الأحاديث الضعيفة بالأحاديث الصحيحة وعدمالتمييز بينهما، فوجه عنايته في تجريد الصحيح من غيره كما أوضح ذلك في مقدمة صحيحه،وإذاً فما كان عند البخاري من الأحاديث قد كفاه مؤونته لأنَّه قد عنى بجمع الحديثالصحيح مع شدة الاحتياط وزيادة التثبت.


تلاميذه:
وللإمام مسلم تلاميذكثيرون سمعوا منه، كما في تهذيب التهذيب منهم: أبو الفضل أحمد بن سلمة وإبراهيم بنأبي طالب وأبو عمرو الخفاف وحسين بن محمد القباني وأبو عمرو المستملي وصالح بن محمدالحافظ وعلي بن الحسن الهلالي ومحمد بن عبد الوهاب الفراء - وهما من شيوخه - وعليبن الحسين بن الجنيد وابن خزيمة وابن صاعد ومحمد بن عبد بن حميدوغيرهم.

وروى عنه الترمذي في جامعه حديثا واحدا أخرجه في كتاب الصيام باب ماجاء في إحصاء هلال شعبان لرمضان فقال: حدثنا مسلم بن حجاج حدثنا يحي بن يحي حدثناأبو معاوية عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولالله صلى الله عليه وسلم:" أحصوا هلال شعبان لرمضان".

قال العراقي -كما نقلهعنه المباركفوري في تحفة الأحوذي-: "لم يرو المصنف في كتابه شيئا عن مسلم صاحبالصحيح إلا هذا الحديث، وهو من رواية الأقران فإنهما اشتركا في كثير من شيوخهما". وقد أشار إليه الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب وقال: "ما له في جامع الترمذيغيره". وقال الخزرجي في خلاصة تهذيب الكمال: "وعنه الترمذي فرد حديث". انتهى.

وقد رمز في الخلاصة وتهذيب التهذيب وتقريبه عند الترجمة لمسلم لكونهمن رجال الترمذي وذلك من أجل هذا الحديث الواحد الذي أخرجه عنه.


ثناء العلماء عليه رحمه الله:
تحدث العلماء عن فضل الإمام مسلم واعترفوا لهبقوة المعرفة وعلو المنزلة. قال فيه شيخه محمد بن عبد الوهاب الفراء: "كان مسلم منعلماء الناس وأوعية العلم ما علمته إلا خيرا". 

وقال ابن الأخرم: "إنما أخرجتمدينتنا هذه من رجال الحديث ثلاثة هم: محمد بن يحي وإبراهيم بن أبي طالب ومسلم". 

وقال ابن عقدة: "قلما يقع الغلط لمسلم في الرجال لأنه كتب الحديث على وجهه".

وقالأبو بكر ابن الجارودي: "حدثنا مسلم بن الحجاج وكان من أوعية العلم". 

وقال مسلمة بنقاسم: "ثقة جليل القدر من الأئمة". 

وقال ابن أبي حاتم: "كتبت عنه، وكان ثقة منالحفاظ له معرفة في الحديث وسئل عنه أبي فقال صدوق".

وقال بندار: "الحفاظ أربعة أبوزرعة ومحمد بن إسماعيل والدارمي ومسلم". 

وقال إسحاق بن منصور لمسلم: "لن نعدم الخيرما أبقاك الله للمسلمين". 

وقال أحمد بن سلمة: "رأيت أبا زرعة وأبا حاتم يقدمان مسلمبن الحجاج في معرفة الصحيح على مشايخ عصرهما". 

وقال النووي: "وأجمعوا على جلالتهوإمامته وعلو مرتبته وحذقه في هذه الصنعة وتقدمه فيها وتضلعه منها". وقال أيضا: "واعلم أن مسلما رحمه الله أحد أعلام أئمة هذا الشأن وكبار المبرزين فيه وأهل الحفظوالإتقان والرحَّالين في طلبه إلى أئمة الأقطار والبلدان والمعترف له بالتقدم فيهبلا خلاف عند أهل الحذق والعرفان والرجوع إلى كتابه والمعتمد عليه في كل زمان". 

وقال الذهبي في العبر: "أبو الحسين النيسابوري الحافظ أحد أركانالحديث".

مؤلفاته:
قال النووي في تهذيب الأسماء واللغات:" وصنف مسلم رحمه الله كتبا كثيرة.
1-
منها هذا الكتاب الصحيح الذي مَنَّ الله الكريم -وله الحمد والنعمة والفضل والمنة- به على المسلمين أبقى لمسلم به ذكرا جميلا وثناءحسنا إلى يوم الدين مع ما أعد له من الأجر الجزيل في دار القرار وعم نفعه المسلمينقاطبة.
2-
ومنها الكتاب المسند الكبير على أسماء الرجال.
3-
وكتاب الجامع الكبير على الأبواب.
4-
وكتاب العلل.
5-
وكتاب أوهام المحدثين.
6-
وكتاب التمييز.
7-
وكتاب من ليس له إلا راو واحد.
8-
وكتاب طبقات التابعين.
9-
وكتاب المخضرمين. وغير ذلك". انتهى.
وذكر الحافظ الذهبي في تذكرة الحفاظ نقلا عن الحاكم عشرين مؤلفا لمسلم هي بالإضافة إلى ما تقدم:
10-
كتاب الأسماء والكنى.
11-
كتاب الأفراد.
12-
كتاب الأقران.
13-
كتاب سؤالات أحمد بن حنبل.
14-
كتاب حديث عمرو بن شعيب.
15-
كتاب الانتفاع بأهب السباع.
16-
كتاب مشايخ مالك.
17-
كتاب مشائخ الثوري.
18-
كتاب مشائخ شعبة.
19-
كتاب أولاد الصحابة.
20-
كتاب أفراد الشاميين.

مهنته:
كان الإمام مسلم رحمه الله بزازا كما في تهذيب التهذيب. وقال الذهبي في كتابه العبر: "وكان صاحبتجارة وكان محسن نيسابور وله أملاك وثروة".

وفاته ومدة عمره:
توفي الإمام مسلم رحمه الله عشية يوم الأحد ودفن يوم الاثنين لخمس بقين من رجب سنة إحدى وستينومائتين. دفن بنصر أباد ظاهر نيسابور، ومدة عمره قيل خمس وخمسون سنة وقيل سبعوخمسون رحمه الله.

سيرة الإمام التِّرْمِذِي

 سيرة الإمام التِّرْمِذِي
اسمه ونسبه
هو الإمام الحافظ العلَم المحدّث الجليل أبو عيسى محمد بن عيسى بن سَورة بن موسى السُّلَمي التِّرْمِذِي.

وُلد في عام 209م (وقيل غير ذلك) بمدينة "ترمذ" الشهيرة – الواقعة على ساحل نهر "جيحون" من بلاد ما وراء النهر (في جنوب جمهورية أوزبكستان على حدود أفغانستان حسب التقسيم الجغرافي الحالي).

وكان جدّ الإمام الترمذي من مدينة "مرو" [وهي من مدن في تركمنستان اليوم] في الأصل، ولكنه انتقل إلى مدينة "تِرْمِذْ" وولد الإمام فيها.

وقيل بأن الإمام الترمذي وُلِد كفيفاً، إلا أن الإمام الذهبي يرجح بأنه أصيب بالعمى بسبب كثرة كتابته للعلم من أجل نشر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

......................... ......

طلبه للعلم ورحلاته الحديثية

امتثالاً للتوجيه النبوي الكريم "من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهّل الله له به طريقاً إلى الجنة" –وكما هي عادة علماء الإسلام والمحدثين عبر التاريخ الإسلامي- بدأ الإمام الترمذي في رحلاته العلمية فسمع من علماء الحديث بخراسان والعراق والحرمين الشريفين وغيرها.

وكان أعظم شيوخه الإمام البخاري، كما أخذ الحديث من كبار المشايخ مشاركاً شيخه البخاري، كالإمام قتيبة بن سعيد ومحمد بن بشار وإسحاق بن راهويه وغيرهم.
......................... ...................

من ثناء الأئمة على الإمام الترمذي

قال الإمام الحاكم: سمعتُ عمر بن علّك يقول: "مات البخاري فلم يخلّف بخراسان مثل أبي عيسى، في العلم والحفظ والورع والزهد، بكى حتى عمي وبقي ضريراً سنين".

وقال أبو الفضل البيلماني: سمعت نصر بن محمد الشيركوهى يقول: سمعت محمد بن عيسى الترمذي يقول: "قال لي محمد بن إسماعيل (يعني الإمام البخاري): ما انتفعت بك أكثر مما انتفعت بي".

وقد روى الإمام البخاري حديثاً في صحيحه عن طريق تلميذه الإمام الترمذي.

وقال الإمام الذهبي في ترجمته للإمام الترمذي:

"
محمد بن عيسى بن سورة؛ الحافظ، العلَم، الإمام، البارع..." إلى أن قال: "جامعه" قاضٍ له بإمامته وحفظه وفقهه، ولكن يترخّص في قَبول الأحاديث، ولا يشدّد..." الخ.
......................... ............ 

قوة حفظ الإمام الترمذي وذكائه

روى الإمام الذهبي في سيره عن الإمام الترمذي أنه قال عن نفسه:

"
كنت في طريق مكة فكتبت جزأين من حديث شيخ، فوجدته فسألته وأنا أظن أن الجزأين معي، فسألته فأجابني، فإذا معي جزآن بياض، فبقي يقرأ علي من لفظه، فنظر فرأى في يدي ورقاً بياضاً، فقال: أما تستحي مني؟ فأعلمته بأمري وقلتُ: أحفظه! فقال: اقرأ! فقرأته عليه، فلم يصدقني وقال: استظهرتَ قبل أن تجيء! فقلتُ: حدثني بغيره! فحدّثني بأربعين حديثاً ثم قال: هاتِ. فأعدتها عليه، ما أخطأتُ في حرف".
......................... ..

كتابه "الجامع " وأقوال العلماء فيه

صنّف الإمام الترمذي عدداً من الكتب الحديثية، أشهرها وأعظمها كتاب "الجامع المختصر من السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم ومعرفة الصحيح والمعلول وما عليه العمل"، وهو المشهور بـ"سنن الترمذي".

وللإمام الترمذي أيضاً كتاب "الشمائل المحمدية"، وكتاب "العلل"، وكتاب الزهد، وغيرها.

أما كتابه "الجامع" فقد وصفه الإمام الترمذي قائلاً:

"
صنفتُ هذا الكتاب وعرضته على علماء الحجاز، والعراق، وخراسان، فرضوا به، ومن كان هذا الكتابُ في بيته فكأنما في بيته نبي يتكلم".

قال الإمام الذهبي معلقاً:

"
كتابه "الجامع" فيه علم نافع، وفوائده غزيرة، ورؤوس المسائل، وهو أحد أصول الإسلام، لو لا ما كدّره بأحاديث واهية، بعضها موضوع، وكثير منها في الفضائل".

ثم أورد الذهبي ثناء الإمام أبي إسماعيل شيخ الإسلام على جامع الترمذي بقوله:

"
جامع الترمذي أنفع من كتاب البخاري ومسلم، لأنهما لا يقف منهما إلا المتبحر العالم، و"الجامع" يصل إلى فائدته كل أحد".

وفاة الإمام الترمذي

توفي الإمام الترمذي في عام 279م في نفس مدينته التي وُلد فيها، وهي "ترمذ".

فرحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته، وجزاه خيرا كثيراً طيباً مباركاً فيه، لما قدّم لأمة الإسلام هذه المصنفات العظيمة ونشر الحديث الشريف وتسبب في هداية الألوف المؤلفة من الخلق إلى العلم النافع والعمل الصالح.

المصادر: 

-
سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي

-
ميزان الاعتدال للإمام الذهبي

-
تهذيب التهذيب – للحافظ ابن حجر